علي حسن الفواز
أثارت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، ما لم تثره أية زيارة رئاسية أخرى، فالرجل كسر إيقاع الصمت إزاء الموقف الصيني، وتجاوز عقدة الولايات المتحدة في إيجاد جبهة معارضة لسياسات الصين الداعمة لروسيا، والمحفوفة بمخاطر الموقف من قضية تايوان..
حساسية هذه الزيارة كشفت عن تعقيدات «السياسة الدولية» وعن رغبة أوروبا في معالجة الملفات الصعبة، ومواجهة ردود الفعل الأميركية الرافضة للزيارة، رغم أن الرئيس ماكرون وجد فيها خطوة واقعية، لإعادة النظر بأهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والجيو سياسية مع الصين، والتنسيق معها لفتح جبهة الحوارات لمنع ذهاب الحرب الأوكرانية إلى خيارات أكثر تعقيداً، فضلاً عن منع الصين من دعم روسيا في حربها، وهو بدا واضحاً في تصريح لـ « جون كيربي» المتحدث بإسم مجلس الأمن الأميركي، والمُغلَّف باستعارات تُخفّف من لهجة الغضب، بقوله : «نحن مرتاحون ولدينا كامل الثقة بعلاقتنا الثنائية الممتازة مع فرنسا، وفي العلاقة التي تربط الرئيسين جو بايدن وماكرون»، وكأنه يوحي بأن الفرنسيين لن يخرجوا عن الحلف الأميركي، ولا عن سياسة الاتحاد الأوروبي، وأنهم شركاء ستراتيجيون في مواجهة تحديات حرب الدونباس، وأزمات المناخ والطاقة والإرهاب، رغم أن الرئيس ماكرون قد دعا في تصريح سابق إلى ضرورة الاهتمام بأوروبا المستقلة، وإلى عدم التورط بصراعات المحاور، و» الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة».
الاهتمام الصيني بالزيارة الفرنسية بدا وكأنه الأقرب إلى توجيه رسالة للأميركان، بمواجهة عنجهيتهم، وإمكانية تقويض أحلافهم، لاسيما أن الرئيس ماكرون اصطحب معه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وهو مايعني دعوة الدول الأوروبية إلى مراعاة مصالحها بعيداً عن الضغط الأميركي، والعمل على صياغة عالم جديد أكثر تحرراً من الأقطاب المركزية، ومن سياسات الهيمنة، والتعاطي مع الأزمات الكبرى من زاوية المصالح، والحقوق، وتنشيط الخيارات الدبلوماسية، بعيداَ عن التورط بصناعة المناطق الساخنة.