إشكاليات الخطاب النقدي في المسرح المعاصر

ثقافة 2023/04/25
...

 د. علاء كريم


يشكل الخطاب النقدي في المسرح أهمية كبيرة لما يمتلكه من رؤى تحليلية تعنى بالعرض المسرحي، وذلك عبر نظريّات التواصل والتلفظ، وايضاً بوساطة المقاربات، التي تسعى لقراءة النص بشكل خاص والعرض بنحو عام.

وبالرغم من التطوّر الذي شهده المسرح المعاصر، والتحولات الاسلوبية وحتى الفكرية، التي لامست مضمون المدارس والاتجاهات المعنية بمساحته الابداعية، نرى هناك مجموعة متغيرات وعلى مستويات الخطاب النقدي من النص والتلقي إلى العرض المسرحي، فضلاً عن المسرحة التي تعمل على تحويل المعنى والجنس لدى المتلقي، إلا أن النقد المسرحي المتواصل مع النظريّات الحديثة بقي ناقصاً، تتضمنه فوضى المصطلح وشكل القراءة التي ينقصها الجانب الثقافي، وهذا قد ينزاح إلى موضوعة أخرى، يمكن لها أن تبعد الناقد عن هدفه الأساس، وعن الموضوعات التي يمكن معالجتها، بعيداً عن التقييم الاجتماعي وتيّاراته المختلفة، وبالتالي يجب ألا يتأثر الناقد بالإشكاليات البيئية والاجتماعية، التي تؤثر في خطاب الناقد.

إن اغلب الحلقات النقدية المعنية في فن المسرح، وعلى المستوى المحلي والعربي، وعبر مشاهداتنا أو حتى استماعنا لها عبر المنصة التفاعلية التقنية، تركت آثاراً سلبية، لما قدمته من خطاب تقليدي لا يرتقي إلى إطار منهجي، يمكن له أن يستقرأ العرض المسرحي وبكل عناصر تكوينه بعيداً عن التكرار والمباشرة المملة بالطرح، والبحث عن مفردات نقدية لها خصوصية، ترتبط بمحاكاة الوعي بجوانبه النفسية والاجتماعية، وايضاً الفكرية والمعرفية، ليكون عندنا درساً نقدياً حقيقيا يظهر طبيعة الاشتغال المسرحي المعاصر وتطوره في العراق، وايضاً على المستوى العربي، لما يمتلكاه من روابط، وعلاقات مشتركة من أجل مسرح يمتلك قواعد صلبة ارتكزت على تاريخ مهم، وتحولات أكثر أهمية، جعلت من المسرح متصدر المشهد اليوم، رغم إخفاق بعض المؤسسات المعنية بهذا الجانب، وسبق أن ذكرت في دراسة سابقة، بأن الفن لا يمكن له أن ينزاح إلى مسميات وأمكنة حكومية، لأنه أكيد سيفقد هويته الفنية، التي تعبر عن فعل الحرية في كل جوانب العمل الفني، ومنها: الادارية والادائية. فضلاً عن ظهور حالات ملامسة للحدث السياسي تتأرجح ما بين الازدهار والانحسار. وهذا قد يرجع بنا إلى بداية الحديث وعن أهمية النقد الفني، ومنه المسرحي وحفرياته في عوالم مجهولة مستترة داخل فضاء العرض.الناقد اليوم ينظر إلى العرض المسرحي كبيئة مغايرة لبيئته هو شخصياً، وهذا ما يدفعه على رسم خطوط خطابه وفق تقبله بيئة العرض وهويته الاجتماعية، أو رفضه لأنه بعيد عن تصوره ومزاجه وأمكنة عيشه، وهذه تعد مشكلة كبيرة، إذ ما تخلى الناقد عن مسؤوليته المهنية التخصصية، وانزاح إلى انفعالاته النفسية والاجتماعية مع بنية العرض، لنرى حينها أن الناقد يدعم ويقف مع من يشاركه الجوانب الحياتية، وهنا قد نفقد المهنية بسبب سوء اختيار المؤسسات وإدارة المهرجانات لشكل الحلقات النقدية، وعدم التأكيد والتركيز على الأسماء المحايدة بثقافتها ومنهجها الاكاديمي العلمي.

بالمقابل هناك نقاد شاركوا وأثبتوا بأنهم يمتلكون الجرأة والواقعية في تشخيص الحدث، واعطاءه درجة مستحقة، لما قدمه العرض المسرحي نصاً واخراجاً واداءً، والناقد المتمكن من أدواته هو في الأساس مشاهد يتابع شبكة المفاهيم، التي رسمها المخرج، ومن ثم يدخل عليها ليفكك شفراتها بشكل علمي. وايضاً فهم التأويلات المعنية بالعرض المسرحي المعاصر، عبر ستراتيجية التفكيك وطريقتها في البحث والكشف عن البنى والمعاني المخفية داخل العرض، والتي تعتمد على تفكيك وتفتيت العرض وفك شفراته، من اجل الوصول إلى قراءة منتجه جديدة للعرض المسرحي. وهذا ينزاح بنا إلى المفهوم الفلسفي عند (جاك دريدا) بأن التفكيكية هي: توتر النسب والعلاقات وتعايش الأضداد والمتناقضات، فهذه الفلسفة ليس جدلية، بل تقوم على توظيف التفكيك كستراتيجية للكشف عن التشابكات الدلالية والفضاءات المستعارة، وايضاً البحث عن الفواصل الوهمية بين المتقابلات والمتناقضات.

كما أن النقد المسرحي اليوم قد تغير وطرأت عليه تحولات في الأسئلة والأدوات الإجرائية وايضاً من حيث المصطلح، لأن القراءة النقدية هي حصيلة جدل لاشتباكات حدسية وذهنية، تعكس الوعي الذاتي، والذي هو وعي الاختلاف الحاصل نتيجة التراكمات المعرفية المنبثقة من الممارسة النقدية في تحليلاتها للنص والعرض، والتي تسمح للناقد استحضار المفاهيم التي لها خصوصية تنطلق من الواقع الذي يتحرك داخل مساحته، وفي جميع مستوياته. وهذا تجسد في المدرسة النفسية، التي وظفت علم النفس في تحليل النص وما يمثله من نتاج يعبر عن نفسية كاتبه، وحالاته الشعورية وانفعالاته وعقده النفسية، والمراحل التي مر بها حتى وصل لهذا الحال، فقد استثمر علم النفس مرتكزات التحليل الأساسية، لتمييز المواد الجيدة من الرديئة، عن طرق اتباع منهج معين في عملية النقد، ويعد (فرويد) رائد هذا المنهج. بالتالي تقوم المدرسة النفسية بتفسير الظواهر، والكشف عن أسبابها ومنابعها الخفية، وما لها من حفريات تقوم بتحليل شخصية الفنان بكل أبعادها، وما تأثرت به على صعيد المجتمع.