حسن العاني
قبل أكثر من 10سنوات على ما أذكر، اتصلت بي إحدى القوائم الانتخابية، وطلبت مني بلطف التوجه إلى قرية كبيرة لأتولى عملية الدعاية الانتخابية لصالحها، اعتذرت لأنني لا أحسن التحدث في السياسة أكثر من دقيقتين، وفي الثالثة أفقد القدرة على التمييز بين مادلين اولبرايت ومارلين مونرو.. لكنهم اتصلوا بي ثانية بعد ربع ساعة وعرضوا عليّ مبلغ ألف دولار.. اعتذرت.. إلا أنهم واصلوا اتصالاتهم حتى وصل المبلغ إلى (18) ألف دولار مقابل 3 جولات في القرية.. حين سمعت الرقم (نشف ريقي وتبلعمتُ وتلعثمتُ)، لأن من يرفض 18 ألف دولار هو بالتأكيد من أبوين مجنونين بالولادة، ومع ذلك رفضت العرض طمعاً في رفع المبلغ إلى (20) ألف دولار!، غير أنهم لم يتصلوا فاتصلت أنا وقلت لهم [لقد درست عرضكم جيداً، ووجدت أن المبلغ قليل جداً، ولكن اكراماً لعيونكم وافقت!] شكروني وكانوا كرماء معي حيث سلموني المبلغ مسبقاً، وهكذا توجهت إلى القرية ونزلت في مضيف الشيخ الذي احتفى بي، ولكنه رفض التعاون معي، لأنه على حد قوله رجل بعيد عن السياسة وبلاويها، ولكنني اقنعته بعد أن فتحت الدولارات قريحتي وحلت عقدة من لساني.. وهكذا استدعى الشيخ سكان القرية!
حضر جمع غفير ووقفت بينهم وألقيت خطبة بليغة اقتبستها من تصريحات المسؤولين ومن لغة المحللين السياسيين، ثم دعوتهم إلى انتخاب القائمة المرقمة كذا لأنها قائمة الوطن والخير، وهي التي توفر الخام والطعام، وحين انتهيت سألني أحد القرويين [عمي.. شنهي فايدة الانتخابات؟!] فأجبته وأنا اجتر العبارات التي وردت في الخطبة بأنها كثيرة الفوائد، وأولها انتخاب برلمان وحكومة شرعية و... وقاطعني الرجل بسؤال غريب [عمي.. كون حكومتنا هسه مو شرعية؟!]، الحقيقة هرب الدم من عروقي، فاذا قلت له إنها شرعية فتلك مصيبة، لأنها اذا كانت كذلك فلماذا ننتخب غيرها؟
وإن كانت ليست شرعية فالمصيبة أعظم والسبب معروف!! قلتُ له [ماذا يفعل الواحد منكم في القرية عندما يريد عقد قران.. مو يجي رجل دين ويعقد القران، وبعدين تصدقون العقد بالمحكمة حتى يصير رسمي؟! الحكومة الحالية نفس الشيء، عاقدة قران عد رجل الدين، بس العقد ما رايح للمحكمة، ولذلك نسوي انتخابات حتى تصير الحكومة رسمية!] ومن لحظتها قررت الانسحاب، فقد يسألني أحدهم [زين عمي اذا حكومتنا مو شرعية.. شلون اعضاءها يرشحون للانتخابات ؟!] وتتوالى على رأسي (شلون وشلون)، وسأكون مضطراً إلى كشف المستور وأرد بصراحة قد تقيم الدنيا فوق رأسي ولا تقعدها.. ولهذا أعدت المبلغ إلى أصحابه، لأن بقاءه في جيبي يدفعني إلى الدجل والكذب، وبالتالي أصبح فاسداً، مع أنني الآن نادم على ضياع المبلغ الدسم وأردد مع نفسي: حشر مع الفاسدين عيد!