أندرو غريفن
ترجمة: أنيس الصفار
بعد دقائق من انطلاقه في يوم الخميس الماضي، انفجر الصاروخ "ستارشب" الذي أنجزته مؤسسة "سبيس أكس" الأميركية المملوكة لإيلون ماسك والمتخصصة بصناعة وإطلاق الصواريخ الى الفضاء. كان هذا الصاروخ أعظم الصواريخ جرأة في التاريخ وأرفعها قوة على الإطلاق.
قبل الإطلاق تعمد ماسك أنْ يخففَ من حدة التفاؤلات بقوله إنَّ "ستارشب" قد يتطلب عدة محاولات قبل أنْ ينجحَ في اختبار الطيران الذي يفترض به بلوغ سرعاتٍ عالية تمكنه من دخول المدار قبل السقوط في المحيط الهادئ قرب هاواي.
تأمل مؤسسة "سبيس أكس" أنْ يتمكن الصاروخ "ستارشب" في نهاية المطاف من حمل بشرٍ الى القمر والى كوكب المريخ مستقبلاً، ولكنْ قبل تحقيق هذا الهدف يجب عليه أنْ يجتاز أولاً اختباراً قصيراً في المدار قال عنه السيد ماسك إنَّ احتمالات الفشل فيه لا تقل عن احتمالات النجاح.
إقلاع الخميس الماضي كان أول إطلاق للصاروخ "ستارشب" كاملاً بجزأيه معاً، وهما وحدة الدفع ومركبة الفضاء. في النسخ المبكرة منه قبل سنوات قليلة صعد الصاروخ الى ارتفاع عدة أميال حيث طبقة الستراتوسفير (وهي الطبقة العليا من الغلاف الجوي) ثم سقط وتحطم. تكرر الأمر أربع مرات قبل أنْ يتمكن "ستارشب" أخيراً من الهبوط بوضعٍ قائمٍ في العام 2021.
في يوم الخميس حلقت وحدة الدفع العملاقة، التي تمثل المرحلة الأولى، لأول مرة. في هذا الطيران التجريبي لم تكن "سبيس أكس" تعتزم من خلاله القيام بأية محاولات للهبوط بالصاروخ أو المركبة الفضائية، لأنَّ كل شيء كان مخططاً له أنْ يسقط في البحر، وكان ماسك يعلم أنَّ فرصة وصول الصاروخ الى المدار لن تتعدى 50 %.
لصاروخ "ستارشب"، المصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ، 33 محركاً رئيسياً تولد مجتمعة قوة دفع مقدارها 16,7 مليون رطل (نحو 7,6 مليون كيلوغرام)، وفي اختبار التشغيل على المنصة الذي أجريَ في شهر كانون الثاني الماضي اشتغلت محركات المرحلة الأولى كلها باستثناء اثنين، وهذا كافٍ لبلوغ المدار برأي ماسك. نظراً لهذه القوة العظيمة سيتمكن "ستارشب" من رفع ما يقدر بـ 250 طناً، فضلاً عن 100 راكب في رحلته الى المريخ، أما المركبة الفضائية ذات المحركات الستة فهي تمثل 50 متراً من إجمالي ارتفاع الصاروخ.
قبل القيام بنقل الأشخاص يتوقع ماسك أنْ يستخدم "ستارشب" لإطلاق الأقمار الاصطناعية الى مدارات أرضية منخفضة، ومن بين هذه أقمار خدمات "ستارلنك" للانترنت التي يمتلكها.
كان مقرراً لاختبار الطيران التجريبي أنْ يستغرق مدة ساعة ونصف من دون أنْ يكمل دورة حول الأرض، كما كان مقرراً عند الوصول الى علامة "3 دقائق" بعد الإطلاق أنْ تتلقى وحدة الدفع أمراً بالانفصال والسقوط في خليج المكسيك. أما المركبة الفضائية فكانت ستكمل طيرانها شرقاً فوق المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والمحيط الهادئ قبل أنْ تسقط قرب هاواي. الصاروخ "ستارشب" مصممٌ بحيث يكون قابلاً لإعادة الاستخدام بالكامل، ولكنْ في مرحلة اختبار الطيران التجريبي لن يكون بالإمكان انتشال أو استعادة شيء.
بوجود "ستارشب" تركز "سبيس أكس"، ومقرها كاليفورنيا، على القمر كهدف في الوقت الحاضر من خلال عقد بقيمة 3 مليارات دولار مع وكالة "ناسا" الفضائية لإنزال رواد فضاء على سطح القمر في وقتٍ قريبٍ لن يتعدى 2025، وذلك باستخدام مركبة المرحلة العليا، وسيكون هذا أول هبوطٍ لرواد فضاء على سطح القمر منذ 50 عاماً. سيغادر رواد القمر الأرض من خلال كبسولة تابعة لـ"ناسا" اسمها "اوريون" وصاروخ تابع لـ "نظام الإطلاق الفضائي". بعد ذلك سوف ينتقل هؤلاء الرواد الى "ستارشب" وهو في مداره حول القمر استعداداً للهبوط على السطح ومن بعد ذلك يقفلون عائدين الى أوريون. من أجل الوصول الى القمر وأبعد منه سوف يحتاج الصاروخ "ستارشب" أولاً الى إعادة التزود بالوقود عند مدارات أرضية واطئة. لذا تضع مؤسسة "ستار أكس" في منظورها إنشاء خزان مداري هو في واقعه أحد صواريخ "ستارشب" ولكنه بلا نوافذ كي يقوم مقام خزان الوقود. بيد أنَّ "ستارشب" لن يبقى حكراً على "ناسا"، فهناك طاقمٌ من القطاع الخاص سيكون أول من يطير مستقلاً "ستارشب" في دورانه حول الأرض، وسوف تعقب ذلك رحلتان الى القمر، ولن يكون هناك هبوط بل رحلات دوران حوله فقط.
انفجار الصاروخ "ستارشب" قبل أيامٍ بعد نجاح انطلاقه بدقائق لم يكن فشلاً إذاً، بل هي خطوة محسوبة على طريق النجاح.
عن صحيفة الاندبندنت