غياب الروح العراقيَّة

ثقافة 2023/04/26
...

سامر المشعل 


هناك اشكالية رافقت الغناء العراقي وما زالت، هي غياب الروح العراقية بالغناء، فحتى المطربون العراقيون عندما يصيبون النجاح ويتجهون للغناء بالساحة العربية، يتركون الغناء بهويتهم ويتحولون لغناء ألوان غير عراقية، فيترك الفنان جذوره ويجامل الجمهور العربي، عسى أن ينال الشهرة الأوسع، ويكون قريبا من مزاجهم.

 فتجد هناك من يغني الخليجي أو المصري أو اللبناني أو التركي أو الهندي.. لذلك لم يصل الا النزر اليسير من الغناء العراقي الى اذن المستمع العربي.

منذ رحيل الفنان ناظم الغزالي سفير الاغنية العراقية الأول، وإلى الآن هناك فراغ لم يملأ على مستوى الغناء بالهوية العراقية واظهار التراث بوجهه الحقيقي.

فهناك الكثير من كنوز التراث العراقي لم يصل الى إسماع الجمهور العربي من المقامات والاطوار والايقاعات.. وعلى سبيل المثال: مقام المدمي والحسيني والبهيرزاوي والدشت والهمايون والحكيمي وغيرها من المقامات، التي تكاد تنقرض واقتصر غناؤها على نخبة ضيقة من قرّاء المقام وبعض المطربين.

بل إن اغلب المغنين الشباب لا يتجاوز غناؤهم مقامين أو ثلاث.. وهذا يدل على عزوفهم من الاقتراب الى ينابيع التراث العراقي والابتعاد عن الهوية العراقية.

اما على مستوى الأطوار الريفية، فهنالك كنوز نغمية في بيئات العراق المتنوعة في الفرات الاوسط والجنوب والغربية والشمال.. لم يتناولها المغنون الجدد، مثل طور العياش الذي هو من مقام الحجاز، وطور المحمداوي وهو من مقام الصبا، وطور العنيسي وهو من مقام السيكاه وطور الغافلي، وهو من مقام الصبا وطور الحياوي، وهو من مقام البيّات وطور الشطراوي وهو من مقام الصبا.. وغيرها من الاطوار التي لم تتسنِ للاذن العربية سماعها، باستثناء اطوار محدودة وبطريقة خجولة، مثل طور الصبي، الذي هو على مقام النهاوند، والذي قدمه المطرب حسين الجسمي بموال "علاوي ابني كبر" الذي يسبق أغنية "سنتين انا صابر" للمطرب حسين البصري، وكذلك غنى الجسمي طور "محمد الضرير" باغنية "اجه الليل شيخلص الليل"، وقد حقق بهذه الاغاني شهرة كبيرة، فضلا عن أنها اكسبت الجسمي التنوع والثراء بتجربته الغنائية.

والكلام ينطبق على الايقاعات العراقية، التي زهد بها نجومنا من المطربين مثل الخشابة والجورجينا والهجع..  وغيرها.

وتحدثت مرة مع الفنان ماجد المهندس بضرورة الاغتراف من التراث العراقي، الذي لم يمسسه أحد ولم يسمعه الجمهور العربي، ويبدو أن المهندس لم يكترث كثيرا بهذا الامر، واكتفى بتقديم بعض الألوان العراقية المحدودة مثل ايقاع الجوبي بأغنية "على مودك أنت وبس" وطور المحمداوي، وقدم ايضا "الميجانا"، الذي يغنى بالمنطقة الغربية، والذي سبق إن قدمه الفنان سعدون جابر.

ايضا لا ينكر دور الفنان سعدون جابر بتقديم عدد من الالوان الغنائية العراقية، والفنان كاظم الساهر، الذي قدم المربع البغدادي بأغنية "يتبغدد علينا"، وقدم مقام المخالف بأغنية "من قساك عليه"، وكان السبب بانتشار ايقاع الجوبي، واستطاع الملحن علي بدر أن يوظف مقام اللامي بطريقة جميلة بأغنية "كبد بد"، بصوت النجم العربي ملحم زين.. وغيرها من التجارب التي لا يتسع المجال لذكرها، لكنها تبقى محاولات خجولة ومحدودة لا تكشف عن هوية الغناء العراقي.