النقد السياسي في الأغنية

ثقافة 2023/04/26
...

 حسين علي المنصوري

يعتبر النقد أداة مهمة من أدوات العمل، التي لا غنى عنها لتقويمه وتطويره، بالنسبة للمجتمعات والقوى والأنظمة على حد سواء، ربما قد يختلف قليلا المعنى الاصطلاحي للنقد، بحسب اختلاف الفن والمجال الموظف فيه إلا أن الآليات والغاية واحدة، فمن أشهر مواضعه واستعمالاته، المجال الأدبي في نقد الشعر

حيث تظهر هذه المفردة بهذا المعنى الاصطلاحي في وقت مبكر، وارتبطت عملية النقد بهذا المجال ويمارسها من يسميهم الجاحظ جهابذة الألفاظ، وظهر نقاد كثيرون للشعر، لعل من أشهرهم ابن رشيق المسيلي صاحب كتاب 

العمدة .

ويعدُّ النقد السياسي أداة مهمة من أدوات العمل السياسي، التي لا غنى عنها لتقويمه وتطويره، بالنسبة للمجتمعات والقوى والأنظمة السياسية على حد سواء. "والنقد السياسي يعني إخضاع الواقع بمختلف معطياته للفحص والتحليل، قصد التعرف العميق عليه، وعليها، من جهة، وقصد بلورة مبادئ وأسس تقوم عليها الممارسة المستقبلية من جهة أخرى، وبطبيعة الحال، فإن النقد السياسي ليس على نمط واحد، كما أن نتائجه ليست متماثلة بالنسبة لمن ينخرطون فيه، وذلك لسبب مهم وعميق، ولو أنه يبدو على قدر كبير من البساطة، وهو أن تقديرات المحللين لوضع من الأوضاع السياسية  تتميز باختلاف تصوراتهم الخاصة، التي تتدخل في تلك التقديرات، وحسب الأهداف المتوخاة منها.

اما عن النقد السياسي في الاغنية، فقد برز في الأغنية السياسية، وقد كانت انعكاسًا ومخرجًا لما يحدث من تفاعل ولتداعيات تلك التعبئة، سلبًا أو إيجابًا. 

ومن الضرورة التفريق بين نماذج الأغنية السياسية، الأغنية التي يمكن أن تسمى الوطنية، وتلك التي ترتبط بالفكر السلطوي. في الحالة العامة قد تكون الأغنية السياسية أشمل وأكثر اتساعًا من أيديولوجية مرتبطة بحزب أو نظام سياسي معيّن، وقد ترنو أحيانًا إلى التغيير وإعادة بناء النظام السياسي والدولة. يبيّن الواقع أنه قد حدث التباس بين الأغنية السياسية الوطنية والأغنية السلطوية في العراق، حتى بدا وكأنهما ممتزجتان معًا في رؤية من يؤديهما.

 كان أهم ما ميز الحقبة الملكية هو أنها كانت مدنية الطابع. كان الموسيقى والشعر ينحصران في المدن، وفي بغداد بالأخص. أبرز من مثل هذه المرحلة في الأغنية السياسية المونولوجست عزيز علي، الذي اتسمت مونولوجاته بالنقد السياسي والاجتماعي الساخر، وكان يتعرض للحكومة بلسان حاد دون خشية العواقب في الواقع، لم يُعرف بعد 1958 أي مونولوج لـ عزيز علي بأهمية ما غناه في الحقبة الملكية، ما يستوجب الوقوف لمحاولة فهم صمته، فهل يتعلق الأمر بالطريقة التي بدأت بها القوى السياسة تتعامل مع الأصوات الناقدة والمعارضة على طريقة "ماكو مؤامرة تصير والحبال (حبال الشنق) موجودة"؟ أم هو أمر آخر؟

غنى عزيز علي في الحقبة الملكية مونولوجات كثيرة، منها: دكتور، منا منا – التي قدمها في الجامعة العربية، الفن، صلوا على النبي وغيرها، لم تكن مونولوجات عزيز علي، بالكيفية التي كان يؤديها وبما تضمنته من احتجاج صريح على السلطة ونقد لمؤسساتها، مجرد متنفّس في مواجهة تحشيد السلطة للجميع للتغني بأمجادها، بل ارتبط الأمر بدرجة كبيرة بالديناميات التي حكمت الحقبة الملكية، وأسلوب نوري السعيد بالتعامل مع المعارضة بطريقة لا تجعله يبدو كديكتاتور تقليدي في نظام قمعي. لم تكن حالة عزيز علي شاذة، فكان شعراء مثل الجواهري يشتمون السلطة ليل نهار، دون أن يمس حياتهم خطر، وكان أقصى ما قد يتعرضون له هو الاعتقال السياسي لأشهر ثم يطلق سراحهم.