د. هاشم حسن التميمي
يحرص الصحفي بشدة على اختيار تسميات لعموده أو مقاله الصحفي ليكون هويته في هذا الزمان العجيب الذي تختلط فيه الألوان والهويات وتضيع الخصوصية المهنية بل الإنسانية.
منذ أربعة عقود اخترت أكثر من عنوان لعمودي الصحفي ليعبر عن اتجاهي الفكري في الكتابة. وفي السنوات الأخيرة استقرت القناعة لاختيار (كاتيوشا) فأثار الجدل عن محتواه الناقد على الرغم من موضوعيته ولم يفهم البعض أن كاتيوشا الصحافة تعني الهجوم بالكلمات والأفكار من أجل تصحيح المسار والحث على الاصلاح وليس لقتل الناس بشظايا ونار القذائف الصاروخية.. وبعد أن ضاقت بنا وتضايقت منا إدارات بعض الصحف التي منحناها الثقة وحسبنا أنفسنا من أهل الدار لا ندفع ولا نأخذ منها الايجار، عدنا نتسكع على صفحات "الفيسبوك" وسط فوضى فيها الصالح والطالح. لكن حنيننا للورق والذي عاهدناه أن يكون ستر أجسادنا ونحن في المهد وكفن لحدنا ونحن في القبر وبين هذا وذاك، كنا نصنع منه طائرات ورقية تحلق في سماء الوطن وتحمل أحلامنا، ودفاتر مدارس ومذكرات في الجامعة ونعطره ونرسل عليه قصائد حب للواتي شغلن القلب بجمال طلتهن وبشعرهن الأسود الجميل.
واليوم وبعد أن أغلقت الأبواب والنوافذ لكي تسجن الكلمات وتعتقل الأفكار وذبل منا الجسد، ولم يتبق لنا إلا الصوت قررنا اللجوء لـ "الصباح" فهي من بين أصابع الكف الواحدة المتبقية من الصحف اليومية المنتظمة، وأخالها دون مجاملة فهي بوضع الابهام في تلك الكف. اخترتها لتكون الملاذ ومنصة البوح عبر مقال أسبوعي اخترنا له عنواناً ثابتاً هو (لنقرع الأجراس) ومعه عنوان فرعي لقضية الأسبوع، وللعنوان دلالة أولها قناعتي أن الصحفي والمفكر واجبه أن يقرع الأجراس قبل الانهيار ووقوع الكارثة أو الزلزال. وهو مستلهم من رواية الكاتب الشهير ارنست همنغواي (لمن تقرع الأجراس).. نعم تقرع للناس لكي تصحو من غفوتها وتسارع لأداء الواجب وتنبه الطالب ليأخذ درسه والمؤمن ليؤدي صلاته والجندي ليحمل سلاحه والفلاح ليلتقط محراثه والرياضي لينطلق في سباقه، وصانع القرار ليتأمل أحوال الناس ويصحح قراراته قبل فوات الأوان.. شكراً لراعي الصباح أحمد عبد الحسين والذي سيتحمل وطأة الحجارات التي ستوجه للصباح لإيقاف أجراسها وشكراً لزميلي د. فلاح الخطاط ولطالما تحمل معي عناء نقل منصتي بين الصحف وشكري المسبق لمن سيتحمل دقات جرسي وهي ستتجاوز أحياناً الهدوء المعتاد وعند الغضب ستعزف سيمفونية القدر. حين نوشك أن نسقط في الجحيم فنطلق أجراس الحذر، ولا تخافوا فللحب والرومانسية أجراسها أيضاً وحينها سنعزف بحيرة البجع.
وآخر القول أن بندول هذه الأجراس سيحركه الضمير بدون خوف أو تردد وعهدنا مع القراء ميثاق شرف صاغه عقل نير قبل مئات السنين، ويقول فيه (إن ذمتي رهينة بما أقول). نعم أجراسي ستقرع في الوقت المناسب للوطن وليس لجيبي أو مصالح أقاربي وجماعة حزبي.