بغداد: نوارة محمد
تّرجل رجال الإطفاء عن المركبة الحمراء بسلالمها وخراطيمها الرشاشة وهم يرتدون زيهم الثقيل الكحلي وخوذهم الصفراء.
اعتذر قائدهم عن التأخير بسبب الزحام وصعوبة فتح الطرق. كانت النيران تشتعل منذ ربع ساعة في الطابق الثاني من البيت، إلا أن أبا أحمد شعر هو واولاده وكل الشباب المتطوع لمد العون أن الأمر بات تحت السيطرة. الاطفائيون كانوا يتحركون بسرعة، وهم يسحبون الخراطيم من المركبة، وثمة شخص في الاعلى يعطي تعليماته.
التفت قائد فريق الاطفاء وصاح بصوت مرتفع:
- عودوا إلى الخلف إخوان ودعونا نعمل.
فتح الماء من أماكن عدة على المنطقة العلوية من البيت، بينما دخل بعض الرجال إلى الطابق الأرضي وهم يسحبون معهم الخراطيم. وكانوا قبلها قد استجوبوا أبو أحمد إن كان أحد من أسرته عالقاً في الطابق العلوي، أو إذا كانت هناك اصابات تستدعي حضور الاسعاف.
عندما اندلعت النيران وبان أثرها هرع الجيران وشباب المنطقة إلى مد يد العون لبيت أبي أحمد. المشهد كان يبعث على الرهبة، وكيف أن الجميع يخاطر بنفسه من أجل إنقاذ أسرة أبي أحمد والمحافظة على موجودات البيت. لكن هذا وحده لا يعني اتقاء الضرر فالمخاطر قد تكون أقوى من شهامة الناس. ازدادت الحرائق في بغداد والمحافظات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وكشفت مديرية الدفاع المدني أن الحرائق التي تكاد أن تكون يومية وصل عددها نحو 4 الاف حريق منذ مطلع العام الجاري، وتعود غالبيتها إلى الإهمال المؤسساتي، وضعف التشديد على شروط السلامة. الأمر لم يقف عند المنازل والأحياء السكنية، أو مخازن المحال التجارية غير الملتزمة بشروط السلامة، ولا المولدات الأهلية، فقد اشتعلت النيران في أهم دائرة محصنة، وهي المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، ما أثار تساؤلا لدى صُناع الرأي العام العراقي. ويحذر مدير عام الدفاع المدني اللواء محسن كاظم من الواح "السندويج بنل" السريعة الاشتعال والرائج في الآونة الأخيرة. مؤكداً أن أسباب تلك الحرائق متعددة وغالبيتها تعود إلى عدم الالتزام بالمعايير وشروط السلامة. وتوجه الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعدم استخدام هذه الالواح الجاهزة والتي تشبه القنبلة الموقوتة وتوعدت مديرية الدفاع المدني بفرض عقوبات لمستخدميها، مشيرين إلى استعداد أجهزتها للقيام بحملات للكشف عن المنازل ومدى التزامها بشروط السلامة. ويرى آخرون أن المنظومة الكهربائية غير المستقرة في العراق سبب رئيس في اندلاع تلك الحرائق. والتماس الكهربائي بات خطراً يهدد أمن الابنية. أسامة عبد الكريم المهندس الكهربائي أشار لـ "الصباح" إلى أن الاهمال وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة من الاسباب المؤكدة في حدوث الحرائق، كما أن المواد المستخدمة في المنظومة الكهربائية سواء في المنازل أو المؤسسات التجارية لا تتوفر فيها المتانة أو القياسات الصحيحة.
هذا الأمر يفتح قضية على درجة كبيرة من الأهمية، وهي رداءة المواد الكهربائية المستوردة وعلى الدولة وضع معايير ثابتة ومراقبة هذا الجانب بجدية.
الجدير بالذكر أن ضحايا الحرائق من المواطنين بلغت في الثلاث السنوات الماضية 855 شخصا، وهؤلاء فقدوا أرواحهم بسبب الإهمال وسوء المواد الكهربائية المستوردة.