هل صنع الأدباء من سيرهم منجزاً متميِّزاً؟

ثقافة 2023/04/30
...

  استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 


تمثل السيرة الشخصيَّة رافداً مهماً للكتابة الإبداعيَّة، فكثير من الأدباء مثلت سيرهم منبعاً متدفقاً لمنجزهم.

تعد سيرة المبدع وتفاصيل حياته عنصراً مؤثراً في صناعته، إذ تنتمي بعض الكتابات الى واقع مشابه إلى سيرة الكاتب، فتأتي بعضها حزينة وقاتمة، تشبه سير كتابها، فيما تأتي أخرى سعيدة ومتفائلة لذات السبب. بينما ينتبه بعض الكتاب لأهمية مغايرة ذلك الأثر وتنقية الكتابة من ترسباته في سبيل صناعة وجهة اجتماعية وثقافية مختلفة في الأجيال المقبلة على قراءة المنجز، من هنا نتساءل: بِمَ تقيُّمُ أثر السيرة الشخصية للكاتب على منجزه الإبداعي؟ وهل استطاع المبدعون كتابة سيرهم بأساليب جديرة بصناعة واقع ثقافي متميز؟،أم أن منهم من وقع في فخ سلبيات سيرهم الشخصية وحيواتهم الخاصة، كأولئك الذين عاشوا في بيئات متشنجة وتركت الحروب في حيواتهم آثار مرة،؟ إلى أي مدى برأيك يحتاج الكاتب الانتباه إلى أثر تلك السيرة في كتابته؟ ومن هم الكتاب الذين ترى أنهم صنعوا إبداعا تعكزوا من خلاله على سيرهم وسير حيواتهم في أمكنة وأزمنة معينة؟

أنا موجود في كل ما كتبته 

الروائي علي حسين عبيد جاءت إجابته في شقّين، الأول استخلصه من تجربته الشخصية في كتابة السرد، رواية أو قصة، مشيراً إلى أنه على مدى أربعين سنة مع الكتابة، وحصيلة أربع روايات وست مجاميع قصصية مطبوعة، سيجد القارئ في كل ما كتبه شيئا من سيرته وحياته بدءًا من الطفولة وحتى الآن، لافتاً إلى أن نسبة وجود السيرة في النص قد تكون متباينة قلة أو زيادة، إلا أنه يؤكد حتمية وجود شيء من حياته في جميع ما كتبه.

وأضاف عبيد موضحا: الشق الثاني من إجابتي مستخلص من قراءاتي ومتابعاتي لما يكتبه الكتاب العراقيون أو العرب أو العالميون، فهناك من تجد سيرته لها دخل فيما يكتب، وهناك من لا يدنو من سيرته، وتكاد تكون كتاباته كلها خليط من الخيال ومما يأخذه من حياة الآخرين، الأنموذج الواضح لهذا النوع من السرد روايات غيوم ميسو وهو كاتب فرنسي معاصر بلغت مبيعات كتبه أرقاما كبيرة، ففي روايته المترجمة حديثاً إلى العربية بعنوان «حياة الكاتب السرية» (دار نوفل، ترجمة رانيا الغزال، 2020) يقول ميسو بشيء من التهكم الجميل ملخصاً عمل الكاتب «حياة الكاتب هي الشيء الأقل روعة في العالم. 

أنت تعيش كالأحياء الأموات. وحيداً ومنقطعاً عن العالم. 

تبقى في ثوب النوم طوال النهار وتؤذي عينيك مسمراً أمام الشاشة وأنت تتناول البيتزا الباردة وتتحدث إلى شخصيات خيالية ستفقدك صوابك في نهاية المطاف. تمضي لياليك وأنت تعصر أفكارك لتكتب جملة لن يلحظها ثلاثة أرباع قرائك القلائل. هذه هي خلاصة أن تكون كاتباً».

هذا يعني أنك تبذل المزيد من التخيّل وصناعة الأحداث، بعيدا عن سيرتك الذاتية الجاهزة، أما حاجة الإنسان لسيرته الذاتية في الكتابة فأراها كبيرة ومهمة بالنسبة لي، فلا يوجد عمل لي كتبته من دون أن أزج نفسي فيه، وفي معظم الأحيان يحدث ذلك بطريقة إجباريَّة، أي أنني لا أستطيع أن أتخلص من نفسي وأنا أكتب روايتي أو قصتي.

هناك الكثير من الكتاب وظفوا سيَرهم بصورة ناجحة في سردهم، كما نلاحظ في تجربة همنغوي عندما كتب روايته (وداعا للسلاح)، أو في كتابات ماركيز الذي استثمر الحكايات والأساطير التي حكتها له جدته وتفاصيل القرية التي عاش فيها طفولته، الخلاصة لا يمكن الخلاص من السيرة الذاتية إلا إذا تحول الكاتب إلى صانع خيال من طراز خاص.


معارك حياته الداخليَّة 

المترجم والناشر حسين نهابة يرى أن معظم الذين يكتبون سيرهم الأدبية في حياتهم، هم المدّاحون لأنفسهم، ويعلل ذلك بأنه يعرف أن السيرة يكتبها الآخرون، من خلال مصادر شخصية او ورقية، بما يتلاءم مع منجزهم الأدبي. 

وأضاف نهابة قائلا: لماذا نضحك حين تُلتقط لنا صورة؟ لنبدو بشوشين فرحين من منطلق أن الابتسامة تُزين الوجه وتُحليه. اذن نحن نبحث بطريقة غير مباشرة عن تجميل أنفسنا أمام الآخرين، ارضاءً لذاتنا. هكذا هم اغلب كتّاب السيرة الأدبية حين يسطّرون أنفسهم في كتاب، يجمّلون ويتلاعبون برتوش كاميرتهم الخفية، ليفخموا من شخصية الأنا التي تعشش في دواخلهم. أنا لا أقصد الكل، ولا أتهم أديباً بعينه، لكني أتكلم بشكل عام مثلما يتكلمون هم أنفسهم عن التاريخ ويتهمون المنتصر بكتابته. أنا مع الباحث الحريص المحايد الذي يأخذ على عاتقه مسؤولية إظهار الكاتب بجهله وصيرورته، بنبوغه ووجهه الآخر. أنا مع الباحث الذي ينبش في ركام المصادر وعوالقها من أجل أن يُخرج لنا سيرة لائقة غير مزوّرة. تحياتي لكل من خرج سالماً من معارك حياته الداخلية وترك الآخرين يقيمون منجزه الادبي بالأدلة والشواهد العصية على

التزوير.


الشعر الذي يشبه كاتبه 

الشاعر معن غالب سباح تحدث في إجابته عن أثر سيرته الشخصية في شعره بقوله: في مداخلة ضمن إحدى الأصبوحات الشعرية شرفني الشاعر الكبير محمد حسين آل ياسين قائلاً: إن شعر معن غالب سباح يشبهه كثيرا فأجبت بعد الشكر لأن أكثره يعبر عن تجارب تمثل السيرة الشخصية التي تنعكس على أداء كل مبدع.

ثم تحدث سباح عن أثر السير الشخصية في منجز شعراء آخرين بقوله: من التاريخ الإبداعي القريب رأينا الشاعر المجدد بدر شاكر السياب في قصيدته (غريب على الخليج) إذ يقول بعد أن يسهب في تصوير نفسه وهو يجلس على الخليج: بين احتقار وانتهار وازورار أو (خطية)  والموت أهون من (خطية). وهذه الصورة الشعرية دلالة واضحة على مقطع سيري يعيشه الشاعر لحظتها بين ضيق ذات اليد وبين ان يقال عنه

(خطية).

وفي صورة أخرى نشاهدها في شعر الشاعر المبدع الكبير نزار قباني في أغلب قصائده نجده يعيش حياة مخملية فالغزل الطافح بالدلال والتأثر بتفاصيل الأنثى التي يصورها بسهل ممتنع يصعب على الشعراء ان يأتوا بمثله فيقول مثلا : (يوم توقف الحوار بين نهديك المغتسلين بالماء، وبين القبائل المتقاتلة على الماء، بدأت عصور الانحطاط.) فالكثير من الشعراء منذ أن بدأ الشعر في العصر الجاهلي وما قبله وما بعده الى أن يرث الله الأرض ومن عليها قد بدأ أثر سيرتهم الشخصية واضحا على منجزهم ومن وجهة نظري القاصرة أرى أن ذلك يعبر عن صدق فني عالٍ فالشعر صورة ولوحة فنيَّة كلاميَّة مثلما أن اللوحة الفنيَّة هي قصيدة صامتة، ولكن هذا لا يعني أن الشعراء الذين تمكنوا من أدوات الشعر سيظلون داخل سجن التجارب الشخصية بل انهم بما يملكون من شاعريَّة يكتبون عن خصال ربما يفتقرون لها كالشجاعة والكرم ونعمة الإبصار وغيرها، فالمعري الذي هو رهين المحبسين يقول معبرا عن ليلته: (ليلتي هذه عروس من الزنج عليها قلائد من جمان) وفي رواية يقال ان أحد الولاة أرسل إحدى أحسن جياده الى شاعر يتميز شعره بالحماسة فاعتذر عن ركوب الجواد لأنذه لم يتعود على ذلك. ختاما أرى أن الشعر والشعريَّة لا حدود لهما في تصوير التجارب الإنسانيَّة. 


صورة للمجتمع وتقلباته 

القاص ميثم الخزرجي ابتدأ رأيه بالتأكيد على أهمية الوعي بأن ماهية النص الأدبي هي صناعة فنية جمالية تتضمن بعداً معرفياً خالياً من التكريس والإشاعة لفردانية الأديب نفسه، لافتا إلى أن المدونة التابعة لذلك الأديب هي صورة للمجتمع بجميع مراحله وتقلباته الاجتماعية والسياسية المقدّرة له والممتدة لمسيرة حياته أو استقراء لواقع ولد من حقيقته واستقرّ في كنهه، فهو الناطق والمصرّح لحقبة معينة والمؤتمن على فعاليته فيما إذا توقفنا عند اجترار المضمر النسقي المستلقي داخل النص لوجدنا أن ثمة هماً وجودياً يحاول أن يمرره من خلال تحشيد البلاغي مستحضرا اللوازم المحفزة لإثارة وجدان الآخر كالاستعارة والانزياح ليهبه للجمهور بحلة مغايرة، على حد

وصفه. 

وأضاف الخزرجي قائلا: السيرة المراد بها هي اتساق وتثاقف الذاتي بالجمعي ليكون تثوير الوعي بكليته منصهراً وفقاً لحالة تراتبية ناجمة عن تعاضد الرؤى واتحادها بالنسبة لصاحب الوثيقة مع أبناء مجتمعه، وهنا يكون الأديب صاحب سيرة تعريفية لأمةٍ بأكملها.

من الواضح أن انهماك الذهنية الأدبية العربية بمستجدات الواقع جعلت من أدبائها أداة درامية لكم من المآلات التي مروا بها، لتجد أن كثيراً من الذين نهشتم براثن الحروب بجميع انكساراتها وخيباتها أو ممن تقصدتهم أزمات عاطفية اجترحوا لنا كماً من المتون التي تعبّر عن مآسيهم حيال تلك الفترة، ليوثقوا أيامهم كسيرة تعريفية هامين بالإشارة والتنويه لما سورهم واحاطهم من تيه، غير أن استجابة عدّة الأديب ومشغله حيال تمكّنه من كتابة سيرته تأتي على مسارين، الأول تكون المسألة نسقيَّة غير خاضعة للنزوع نحو التصدير والإشادة، فنية أكثر من كونها وثيقة شخصية غايتها تداخل السؤال الجدلي بطبيعة الحدث المتنازع عليه واحتوائها على الرغم من انسيابيتها كمدونه تعريفية لها معاييرها التي تؤهلها للرجوع إلى العتبة الأولى للأديب ومكونه البيئي وما يشوبه من عقبات لتجد ثمة تضافر فني واقعي متماهياً مع الإحالة المتمخضة عنها حيثيات السؤال الوجودي، وهنا يكون عنصر التشويق والمفاجئة أكثر حيوية وحزماً من  العرض المترهل بغرضه الدال، والثاني يأتي كذاكرة تستحضر المركز والهامش غير معنية بإثارة المتواري المتشبث بزمام الأديب بل ينأى الأخير عن إعطاء سمة مغايرة له، منكباً على تأكيد دلائل وعلامات تلك المرحلة من دون استنطاق أسبابها ليكون بطلها الذي يأخذ على عاتقه قيادة الدفة بجميع تفاصيلها.

وقال أيضا: واقعاً أجد أن ثمة غاية ناشئة لعزوف الأدباء في المشهد الثقافي العربي عن كتابة سيرهم التعريفية أو قلّة اندفاعهم لمشاريع كهذه، لعل السبب الأشد وقعاً هو كثرة المحاذير السياسية المحتشد به عالمنا العربي، ناهيك من أن هناك محاطات تعنى  بشخصية بالأديب الصاخبة وأن أطلقها علناً بامتلاكه الشجاعة فإنه يجابه بمصدات ملتبسة وشائكة من قبل المجتمع تقلل من شأنه وتحط من قدره، لذلك يُفضِل أن تبقى متوارية خشية من العين الناقدة او الناقمة في 

استنتاجاتها. 


تأثير واضح ومختلف 

الشاعر عباس السلامي يرى أنَّ سيرة الأديب الشخصية لها تأثير واضح على مسيرته الأدبية وتشكيل نتاجه الإبداعي، وأن هذا التأثير عادة ما يختلف من كاتب لآخر، لافتا إلى أن للسيرة وقع قد - يأتي على الأديب بالسلب أو بالإيجاب - فمن كانت سيرته الشخصية حافلة بالنجاح ورغد العيش سنرى ذلك ماثلاً  في نتاجه الأدبي، ومن كانت سيرته الشخصية ضاجّة بالخيبات والخسائر وشظف العيش حتماً سيشي به نتاجه. 

وأضاف السلامي موضحا: الأديب وإنْ كان فرداً لكنّه جزءٌ من مجتمع يخضع لمتغيراته وتقلباته تلك التي لها تأثير كبير في تشكيل سيرته الذاتية، تلك السيرة التي لها الدور الفاعل في توجيه مسيرته الأدبية.

فالأدب العربي والعالمي زاخر بأمثلة كثيرة لموضوعة السيرة الشخصية وتأثيراتها على النتاج الإبداعي لكني سأكتفي بمثالين: الأول/ الروائي الروسي «ميخائيل زوشينكو» المولود في بطرسبوج عام 1894 والمتوفى عام 1958) لو قرأنا- على سبيل المثال -  روايته (قبل شروق الشمس 2020) لوجدنا فيها الكثير من سيرته الشخصية، حكايته مثلاً مع مرض الكآبة الذي لازمه، وكيف تمكَّن من التوصل إلى علاج ناجع لمرضه (الذي سوَّد حياته) كما أشار إلى ذلك، حيث عدّ خروجه - معافى من المرض - انتصاراً  كبيراً، حيث كان الروس يومها منشغلين في الحرب، فيما كان «زوشينكو» مشغولا في معالجة كآبته في رواية! لهذا عدّت السلطة الحاكمة فعلهُ هذا خروجا على مقتضيات الأدب في حقبة الاشتراكية وما تفرضه على الأديب من عدم الخوض في الهمّ الذاتي لِما لهُ من تأثير سلبي على الناس!!! 

أما المثال الثاني فيتمثل في السيرة الشخصية للروائي محمد شكري المولود عام 1935 شمال المغرب، وقد تبين لنا أنَّ كتاباته هي انعكاس لِما عاشهُ من طفولة قاسية، حيث عَمل وهو دون العاشرة  في مقهى، وعمل كذلك حمالاً وبائع جرائد وسجائر مهرّبة وصباغ أحذية، أضف إلى ذلك أميته التي رافقته حتى تعلّمه القراءة والكتابة في سن العشرين، الكثير من مواجعه وخيباته ضمّنها روايته «الخبز الحافي» التي أثارت ردود أفعال ورفض الكثير من الحكومات العربية لما حملته من جرأة كبيرة وخرق للمألوف.

مما حدا به على التصريح مراراً (عشتُ التشرّد وأكلتُ من القمامة، هل ينتظرون مني أن أكتب عن الفراشات؟؟؟) 


كمن يشاهد حياته من بعيد 

الشاعر إسماعيل الحسيني قال: لعلّ من أشدّ الرغبات وثاقة بالذات الإنسانية، هي رغبة الإنسان بالكلام، بوصفها مرآة النفس والفكر، والأداة التي توضحُه، كما يؤثر في الفلسفة القول المعروف: «تكلَّمْ؛ حتّى أراكَ» ولمّا كانت للكلام أغراض متنوّعة، تنوّع مجالات الحياة، كان أقرب الكلام إليه وأشدّه صلة به، هو ما يتعلّق بذاته، هو حديثه عن أيّامه عن زمنه، المواقف والحوادث، المشاعر والأشخاص، عن كلّ ما يصلح ليكون مادّة مشحونة بفنّ الكتابة، وغاصّة بمائها، وذلك بتفتيت هذه المكتنزات إلى لحظات صغيرة، من ثمّ نقلها إلى كلمات، كمن يشاهد حياته من بعيد، يشاهدها وهي تسحب من روحه، ما نسي أن يدوّنه، ما أرجأه إلى وقت غير محدّد، إلى أنْ يقف الكاتب بإزاء لحظة تستدعي منه الاعتراف بصدق مبدع، عمّا جرى، ولعلّ كلمة «الاعتراف» لها علاقة بنشأة هذا الجنس وترعرعه، إذ إنّ هناك مَن يواشج بينه وبين الاعتراف الدينيّ. 

وأضاف الحسيني موضحا: ومثلما كانت نشأته كان واقعه، فقد يتداخل هذا الجنس، مع أجناس كتابيّة أخرى، فالخلط بين المذكرات واليوميّات والسيرة الذاتية أمر ملموس في الأدب المعاصر، ولكنّ أبرز ما يميز السيرة الذاتيّة قوّة الخيال وسحر البيان، ووشايتها بحرفيّة لغة كاتبها، ومقدرته، إذ إنّها ليست مرتجلة وآنية كما قد يتصوَّر، بل هي خلاصة حياة، وقد تصبح السيرة الذاتيّة مادّة للدراسة والبحث، ولطالما كانت درسًا في مجالها، كما ألهمت سِيَرُ العظماء شباباً يافعين في المضي على خطاهم واقتفاء أثرهم، كسيرة مانديلا، التي رسمت خطة حياة لشعوب كاملة، واعترافات جان جاك روسو التي مثّلت حدثا مهمّا في تاريخ هذا الجنس الأدبي، ولكن الملاحظ أنّ صداه في الثقافة العربية كان باهتًا، إذا لم يدر الحديثُ عنه إلا في القرن العشرين، وفي كتاب الأيام لطه حسين رؤية جلية وواضحة، كمهاد نظري، الأمر الذي ألفت النظر، واستقطب الكتّاب، وقد أبدع فيه كتّابنا العرب من الشّعراء (الجواهري، السياب، فدوى طوقان) ومن السياسيّين المصري (رفعت السّعيد) ومن المفكّرين (إدوارد سعيد) ومن الروائيّين (حنّا مينا ومحمد شكري)وقد تفاوت هؤلاء الكبار فهمًا لهذا الجنس، إلا أنّ مقدراتهم الكبيرة أنتجت نصوصًا لا تقلّ أهميّة عمّا انتجوه في حقولهم الإبداعيّة، ولكنْ كان لذلك أثر فيما نشهده اليوم، حيث تختلط السير الذاتية باليوميات والمذكرات، ولكنّها تبقى شاهدًا مهمّا على حياة أشخاص مؤثرين، وخطّة جديرة بالتتبع.