نكتب كي ننجو

ثقافة 2023/05/02
...

  روشا داخاز


 نحن نكتب كي ننجو ولا ننجو بل ينتهي بنا الأمر لأن نغرق أكثر!

وكامرأة ولدت في بلدٍ تضطرم به فوضى التاريخ والحروب؛ 

فقد اعتادت أن تقشر بعضها كل يوم عن نفسها،

تدير ظهرها لأبواب مُشرعة،

تعرف الكثير عن مكائد الحب ولا تحب،

 تهرب دون أن تراوح مكانها، 

وتضيع في المسافات القصيرة التي لم تجد أبعد منها،

تنظر دائماً من الجهة المعاكسة لزاوية الاعتياد وتقحم نفسها في تفاصيل لا تعني أحداً بل لا شيء يعنيها في العالم أكثر من الأشياء التي لطالما بدت أقلّ معنى للآخرين، 

وأكثر من ذلك؛ امرأة تأخذ الكلمات؛ كل الكلمات؛ على سبيل المعجزة! ليقينها بأن الحروف التي تُصلح كل شيء بامكانها أن تُفسد كل شيء أيضاً!.

 من أجل ذلك كانت الكتابة ولا تزال تنبت هناك؛ 

تحت جلدها تماماً...

بدأت الحكاية يوم لاحظت بأني أعيش فصلاً واحداً من حياتي وفصولاً مع أشباحي التي أخلقها (أو يتراءى لي بأني أفعل).

لكن في البدء لم تكن روايتي الأولى "بقايا"...

فقبل أن أشرع بكتابتها كنت قد تخلصت من نصوص ومسودات كثيرة لم تكن ترتقي لأن تُوضع بين دفتين أو تُعرض أمام القراء على رفوف المكتبات.

ولن أبالغ اذا قلت بأني بحثت عنها؛ عن "بقايا"، بين الكتب التي كنت أقرؤها وحين لم أعثر عليها كتبتُها.. فأنا قارئة قبل كل شيء والرواية التي لا تستحق القراءة لن أكتبها أبداً،

وبلا شك فإن صعوبة كتابتها كانت تكمن في طريقة التقاط طرف الخيط؛ ولما تحقق لي ذلك؛ صارت الحكاية تروي نفسها بنفسها أو هكذا بدا الأمر.

وجب القول أولا أن طريدة الكاتب هي فكرته لا حروفه وأن الفرق شاسعٌ بين المثقف الذي يُحْدث الجرح، والثاني الذي يُجامله، والثالث الذي يتجاهله، وذاك الأخير الذي يشير إليه دون هوادة سواء حاثاً أو حاضاً؛ وهذا بالضبط نوع المثقف الذي كنت وما أزال أطمح لأن أكونه ورغم ذلك لم تكن غايتي وأنا أكتب "بقايا" أن أتكهن أو أتنبأ أو أتكلف أو أراهن، ولا أن أدخل في صراع مع أي توجه أو جنس أو اعتقاد أو يقينٍ وخرافة من أجل ذلك بذلت جهداً ليقول كل رأيٍ نفسه دون مجاز أو ابهام أو تشبيه أو غموض أو حتى دون تدخلٍ مني.

وكانت القاعدة التي تمسكت بها آنذاك هي أن أرسم المجهول، وأن أقول الشيء الآخر من الشيء، وأن أكتب بوضوح كل ذلك الغموض، 

ثم توالت الفكرة تلو الفكرة كبندول يتراقص بيني وبين الكلمات فظللت ولأكثر من عامين غارقةً في توليفة (بقايا)؛ حتى كتبتها لمرة واحدة وإلى الأبد وأمسكت نفسي لمرات كثيرة عن تأوليها أو الخوض في مقاصدها فلا شيء يفسد الرواية وينهي حياتها أكثر من تأويل صاحبها لها.

وباستثناء ما قيل عن أخطاء لغوية صاحبت عملية الطباعة فقد كان كل نقد تلقيته ومن كل قارئ (مبتدئٍ كان أو مبدع) ايجابياً ورائعاً بشكل فاق كل التوقعات.

ويبقى رهان الكاتب في النهاية هم قراؤه وتبقى أكبر انتصاراته أن يقرأه من لا يهوى القراءة وقد حدث أن راسلني أكثر من غريب ليخبرني بأنه لم يسبق له أن قرأ شيئاً قبل (بقايا) وبأنه لن يتوقف بعدها، وظل السؤال الجوهري لدى هؤلاء هو: 

"هل حدث ذلك حقاً؟!"

وسيبقى أعظم نقد حصلت عليه على الاطلاق هو ما كنت أنتظره تماماً- ومن الجميع دون استثناء- بأني كنت صوتاً حراً لم أرتد عباءة جماعة واحدة ولم أكن سجينة وعيٍ معين بل كنت منصفة تجاه الوطن والحقيقة والآخرين.