موسيقى تروّض الأخطاء

ثقافة 2023/05/02
...

 بغداد: الصباح


تحمل المجموعة الشعرية ( أخطاء تروضها الموسيقى ) والصادرة عن اتحاد الادباء والكتاب في العراق، الرقم (6) من ضمن اصدارات الشاعر مهدي القريشي حيث تضم بين دفتيها قصائد تحتوي على موضوعات تلخص تجربة الشاعر الشعرية وتضعها تحت تأثيرات واستيعاب القارئ لاقتناصها والتقاط المعنى وتعامله مع عناصر النصوص المتفردة في البناء والاستعارة والقصدية وخلاصة الدلالات والرموز والشفرات التي لم تبق عصية على مكونات القارئ الجاد، الفكرية والحسية، بالرغم من ان الناقد فاضل ثامر وجد ان المعنى تتنازعه ثلاث سلطات هي سلطة المؤلف وسلطة النص وسلطة القارئ وكل من هذه السلطات تزعم انها صاحبة الحق في امتلاكه والحديث عنه. 

ومن خلال سياحة بسيطة في عنوانات المجموعة نجد ان الشاعر  نأى بنفسه عن الذات وتضخمها وكرس خطابه الشعري بصوت المجموع، الآخر، المهمش، فافتتح المجموعة بنص يحمل عنوان (نحن ) الذي سيكون هو جزء من ال (نحن) (نحن الذين ترفض الارض/ ان تلامس اقدامهم …… الذي تتباهى السماء/ عن بعدها عن اسطح منازلهم … معلقون كأضاح/  توزع مجاناً في 

المواسم). 

ويختتم المجموعة بقصيدة ( خيبة ) الخيبة التي تترجم الاستهلال يقصد خيبتنا  (نحن) جميعاً، هنا يكمن التفرد بلغة الجمع وليس التفرد بالانانية الاستحواذ، ( تخلط الاوراق/ فتضطرب الرؤية … انا الجندي الوحيد الذي ادركته الحرب بمخالبها/ ولفضتني فكرة متعفنة). 

وتستمر ولادة الخيبات وتتفصد  من خلال عرق القصائد في لهاثها لوصول المعنى للقارئ، فالامنيات في ردهة العدم وبعد ان ترمد العيون وتبقى الاجفان رطبة بالدموع. 

وأنت تقرأ قصائد المجموعة فتهمس في اذنك الريحُ الخارجة من ثقوب في جمجمة احدهم لذا كان من حقه ان يطرح السؤال الاشكالي التالي ( من يُصير الجمجمة/ منفضة لأخطاء العقل ؟ ) ويحيل كل هذا الدمار في الروح البشرية والموت المجاني والخراب الروحي الى الخطأ ويناشده بكل استحياء ( أيها الخطأ/ لماذا انتَ دائماً على حق ؟!) وفي هذا الجو الخانق وغير الباحث عن الاطمئنان والشرود فلا بد من أن تأتي الالوان غير نقية منها الرمادي المصفر والابيض المصفر والاسود الكذابي ويذيل قصيدة (الوان غير نقية)  بالاحمر القاني فيقول (( هذه الارواح المتناثرة/ من يلُّمها على الارصفة ؟/ الملائكة منشغلة بتزيين عرش الله). 

تجتهد قصائد (اخطاء تروضها الموسيقى ) في تقديم يوميات العراق المعاصر من زاوية المكان الفاعل لترجمة  الصورة وانسنتها في لغة منزاحة، لغة تتشابك فيها المدلولات، الذات، الزمكان، والصور الحسية التي يكشفها الشاعر وبالتالي يكشف عن هويته حين يترجم ( اخيراً رأيت سيارة تعلوها الحمى/ تبحث عن بنفسجي بلون 

الطفولة ). 

وكان مسك ختام المجموعة وعلى غلافها الاخير نصاً نقدياً  موجزاً للناقد الدكتور سلمان كاصد جاء في 

بعضه.

" أخطاء تروضها الموسيقى"، انتقاء الجمال ليصحح العالم، ذلك ما يتراءى لنا في استهلال هذه المجموعة عبر نصين مكثفين هما " نحن" و" هذيان"، وكأننا نبتدئ من اللامعقول، حين يعلق العالم كالذبائح في 

المواسم.

تلك صورة من فضاءات مهدي القريشي، الشاعر الذي يقلق القصيدة لتنزف بوحها كاملا، لأنه يتلمس الظلام ليكشف عن صباحه، ويفض التوابيت ليبصر الحكمة داخلها. 

مهدي القريشي شاعر مزدحم بالأحلام، يبوح الشعر من قميصه المثقوب بالوجع والرصاص وغمزات النساء الحاسرات وغنج النساء المحجبات.

كل قصيدة لديه عالم مكتمل برموزه ودواله، يرقص الدال لديه وهو متجه لمدلوله من أجل أن تحاكي حبكتها وصنعتها الفائقة موضوعها الباذخ المحير.