زيد الحلي
طال أمد مناقشات قانون الموازنة العامة للدولة في مجلس النواب، ومعها زادت استفسارات المواطنين حول هذا التأخير الذي يثير قلقاً في المجتمع، وما زالت الطروحات المتباينة حولها، تجد لها مرتعاً في الفضائيات، حيث يتسابق (س) مع (ص) في إعطاء آراء لا جامع بينها حول بنود الموازنة نتيجة تحولات المواقف السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وبالعكس، فالعلاقات الودية قد تتحول إلى علاقة متشنجة أو العكس، لأن ما يحكم هذه العلاقات هو برغماتية العمل السياسي ذاته الذي يدور حيث المنفعة الاقتصادية و"المناطقية" في المقام الأول، وقد شكل هذا الأمر ريبة لدى المواطن، وعلامة استفهام كبيرة!.
لقد نسي البعض، ممن يتصدى لموضوعة عامة، تخص حالة مهمة في المجتمع، مثل الموازنة الاتحادية للدولة، وهي في قمة الأولويات عند المواطن، أن الماء عندما يتجمع مع الرمل في حفرة لا يستطيع أحدهما النفاذ منها، وتذوب التربة بالماء وتظهر على السطح رمال جافة، ولكنها في الحقيقة رمال مشبعة لا تستطيع تحمل أي ثقل يقع عليها. وأظن أنني أوصلت الفكرة بمثال بسيط، يعرف معانيه حتى البسطاء من عامة الناس.
إنّ التخبط في المسارات الضيقة، والالتواءات المقصودة، تؤدي إلى نرفزة وضيق خطير عند المواطنين، ويخطئ من يعتقد أن الجهل بالقيادة الإدارية للمجتمع هو مرض يصيب العقل الجمعي للمسؤولين في تلك الإدارة. لكني أجد أنه مرض نفسي خطير ناتج عن الشعور بتعظيم الذات، وربما الغرور (أنا أفهم منك!). والغرور هو أحد متلازمات الجهل الذي يرتبط في اللغة العربية بالحماقة، والانفعال، والتوغل في الخصام، والافتقار إلى الحكمة، والاستعداد لممارسة الهيمنة، وتغليب العاطفة، وبالذات السلبية منها، على العقل، وهي تنتعش حين تجد لها من يغذي مساراتها، وها هو بلدنا العزيز، يعيش الآن في دهاليزها، ويُحرق العراقيون في أفرانها، نتيجة هذا التأخير بإقرار الموازنة التي ينتظرها الجميع، ويعتبرونها العلاج السحري لمعاناة طويلة من كساد السوق، واستشراء البطالة.
سادتي في مجلس النواب وفي الحكومة، الموازنة العامة للدولة، أمانة في أعناقكم، وإن معرفة معاناة المواطنين اليومية، وغير اليومية، والسعي إلى تذليل صعابها، هما أخص خصائص من يتصدى للمسؤولية، و أيضاً أصل كل تقدم، وينبوع كل نجاح، ونسغ كل سعادة حقيقية، وركن كل ارتقاء أكيد على المستوى الفردي والاجتماعي والإنساني.