آندي وارهول.. فنان البوب آرت الأول

ثقافة 2023/05/06
...

 إحسان العسكري 


لا تختلف مدرسة البوب آرت بمفهومها العام عن بقية مدارس الفن التشكيلي قدر تمسكها بصانعها، يعتقد غالبية النقاد والمتابعين لمجريات التطور في أحداث الفن التشكيلي أن المدارس المعاصرة ليست سوى امتداد متدارك للمدارس الأصلية طالما تقع تحت عنوان “رسم” حتى ظهر “آندي وارهول” التشيكوسلوڤاكي - الأميركي، وانتج مفهوماً جديداً يعتمد كلياً على الإبداع الشخصي للفنان مستخدماً البوب آرت كسبيل لإيصال رسائله. 

رجل القمامة أو فنان القمامة كما وصف في المجتمع الأميركي، وهذا الوصف جاء من قدرته على تحويل المستحيل إلى فن به ذوق وجاذبية حتى قيل عنه: “اعطه سلة قمامة وسيحولها إلى عمل فني يبهرك”. 

اندي وارهول يكاد يكون في كل بيت في العالم، فهو من رسم شكل علبة الكوكا كولا، وقد استوحى الفكرة من فستان امرأة تشيكية، رسم وارهول الشعارات التجارية على المنتجات ورسم القمامة، وشعارات المنتجات الغذائية حتى بيعت إحدى لوحاته بـ 35 مليون دولار، وهي عبارة عن شعار تجاري على علبة طعام. 

هكذا يُخرج العبقري الثروات من اللاشيء، اتسمت غالبية أعمال وارهول بميزة خاصة هي قدرته على كشف مكنون الجمال بتغيير اللون الأصلي بحسب رؤيته، ومن منا لا تجذبه لوحة المرأة الذهبية حين رسم مارلين مونرو مستخدماً اللون الذهبي في تشكيل ملامح هذه الجميلة التي كانت ومازالت حديث العالم. 

أعتقد أن الأكثرية من رواد الفنون التشكيلية المعاصرة اعتمدوا جمال المرأة كمنهاج تعبيري، وخاصة النساء اللائي يتميزن بلون بشرة خاص، فنراهم يبدعون كثيراً في استثمار لون الذهب بأعمالهم، وكأنَّ هذا الفنان يوثق العلاقة الثلاثيَّة الحميمة بين المرأة والجمال والذهب.

ومن منطلق العلاقة بين المشهد والذوق في استثمار جمال المرأة نرى آندي وارهول يختصر العديد من الحكايات في لوحة واحدة، خاصة وهو يرسم وجهه بلوحة امرأة.

يقول وارهول “كيف يمكنك أن تقول إن مذهبا فنيًا ما أفضل من الآخر؟

يجب أن تكون قادرًا على أن تصبح رسّامًا تعبيرياً مجرّداً في غضون أسبوع، أو فناناً في البوب، أو حتى واقعياً، بتلك السرعة من دون أن تشعر أنك قد خسرت شيئا.

أعتقد أن ذاك سيكون أمرًا عظيماً، أن تتمكن من تغيير المذاهب بتلك السرعة. 

وسيكون هذا هو طبيعة المشهد الفني الجديد كله”.

بهذه الفكرة انطلق وارهول واتجه نحو البوب آرت مستخدماً التعبيرية كوسيلة لتحقيق غاية تلخصت بإنتاج مدرسة معاصرة تضاف لمدارس الفن الحديث، قيل عنه أنه مبتكر السيلفي الأول وجاءت هذه الصفة لما تتميز به أعماله من النظر المباشر في عين المتلقي التي تلتقط بسرعة إسقاطات الفنان على الشخصية التي رسمها، فأنت تقف قبالة لوحة تصوّر مارلين مونرو وتقول في نفسك هل هذه هي؟ ثم تنصرف فتلتفت لتتأكد ما إن كانت هي فعلاً! هنا يكمن سر الغزارة في التطرف الإيجابي الشخصي عند الفنان والمبدع، إغراق العمل بالتأمل والدهشة وجمع أكثر من فكرة كما في عمله العظيم “المدن مقبرة الدولار”، ولوحته “النفوذ” وهي عبارة عن عبوة مشروب غازي تخرج منها لوحة تعبيرية تذكرنا كثيراً بأسلوب مارك روثكو ذو الألوان الثلاثة.

وهذه الأعمال ليست ساذجة خالية من العواطف، فهذا الفنان ليس عاطفياً خالصاً هو ببساطة منتج لأفكار خاصة إذ لا يمكنك أن تنظر لعلبة غذاء على أنها لوحة فنية، ولكن ستتوقف كثيراً حينما تنتبه في طريقة رسمها وعبقرية دمج اللون مع الكتابة وستندهش أكثر حينما تعلم انك تقف أمام لوحة بيعت بأكثر من 30 مليون دولار اميركي! 

هكذا هو البوب آرت، وهكذا استخدمه وارهول الذي لا يمكن لمقال انطباعي أن يحيط بجزء من كم الإبداع الغزير في منجزه الفني معتمداً على نمطية عيش المواطن الغربي وتفاعله مع السلع الاستهلاكية والصور الإعلانية التي تُغرق حياة تلك المجتمعات في عصر يوصف بأنه الأكثر ازدهاراً حينما شرع وارهول في إعادة إنشاء هذا الكم الهائل من الإبداع عن طريق صور الإعلانات، بحيث يعيد بناء تجربة وجوده في متجر كبير، لذا، فإن وارهول له الفضل في تصوير نوع جديد من الفن الذي مجّد وانتقد عادات الاستهلاك التي ظهرت منذ ذلك الحين حتى الآن عبر نظريته الشخصية، وهنا يكمن سر تميزه.