حيدر حيدر.. هجرة السنونو الأخيرة

ثقافة 2023/05/06
...

ميادة سفر


طوت الرواية السوريَّة صفحة مضيئة أخرى من صفحاتها، برحيل الروائي السوري حيدر حيدر صاحب الرواية الأشهر «وليمة لأعشاب البحر» و»مرايا النار» و»الزمن الموحش»، بعد أن اختار عزلته القسريَّة في بلدته حصين البحر المطلة على بحر مدينة طرطوس، بعد سنوات من السفر والترحال آثر أن يختمها في أحضان الطبيعة بعيداً عن صخب المدن الكبرى، بعد أن يئس أو كاد من أيِّ تغيير حلم به مع أبناء جيله في الواقع العربي المهزوم، هو الذي قال في أحد حواراته: إنَّ «الجيل الذي ولدنا فيه كان جيلاً مهزوماً، هزمت آمالنا وأشعر أنني وصلت إلى نقطة 

اللا أمل».

«الفهد غادرنا إلى ملكوته» بهذه الكلمات نعى مجد حيدر عبر صفحته على موقع الفيس بوك والده الروائي حيدر حيدر المولود عام 1936، تاركاً لقرائه إرثاً ثقافياً وفكرياً لا يستهان به، كان نعي مجد إشارة لبطل رواية الفهد للروائي الراحل، تلك الرواية التي ستتحول إلى فيلم سينمائي من إخراج السوري نبيل المالح، الرواية التي قال عنها حيدر حيدر: إنها «كتبت في مرحلة عرفت بالنهوض العربي والحركات الثورية الغاضبة في العالم والوطن العربي»، في ذلك الوقت الذي كانوا فيه يربون الأمل بتغيير ما يطول المجتمع والفرد ويحلم بمستقبل أكثر جمالاً، تلك الآمال التي ستتلاشى مع الوقت وتغدو هباءً منثوراً في جحيم الواقع المذري والقاع الممتلئ الذي وصلنا إليه.

أثارت روايته «وليمة لأعشاب البحر» الصادرة في سوريا عام 1983 الكثير من الجدل والنقاش، صودرت ومنعت وقامت التظاهرات مطالبة بحرقها بدعوى إساءتها للقيم الدينية والإسلام، وهي التي تحكي قصة مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر ليلتقي هناك مناضلة محبطة تعيش عصر الخراب الذي لحق بالمناضلين، وعلى الرغم من النقد والرفض الذي جوبهت به الرواية إلا أنها لاقت بالمقابل قبولاً وإقبالاً كبيرين من القراء والنقاد، وعنها سيكتب المفكر الراحل جابر عصفور: «إنها من أفضل الروايات العربية المعاصرة، ومن يتهمونها بالكفر ليسوا سوى مجموعة تتطلى بأقنعة دينية لإرهاب المثقفين والمبدعين».

على جدار مكتبته كتب حيدر حيدر: «متواضع كالرمل، صاخب كالبحر، عالٍ كالسماء، حرٌّ كالريح» تلك العبارة التي أرادها النورس المهاجر أن تكون شاهدة على قبره، برحيله يشغر مكان آخر من أمكنة المبدعين السوريين الذين سيطول الزمان ولن تملأ أماكنهم، لأنهم بكل بساطة لن يتكرروا وهم الذين أنقذونا بكتبهم من «الزمن الموحش» والخراب والجحيم الذي نحياه في واقعنا السوري والعربي عموماً.

«ثم يمضي كشهاب، طاوياً الآفاق. 

قدماه تسبحان في الفضاء، وعيناه المومضتان تخترقان العتم، يطير.. يطير.. حتى أعلى قمة ويحطّ هناك» هكذا قال الراوي في «الفهد» 

ورحل.