ثقافة غير متوقعة

اسرة ومجتمع 2023/05/06
...

غيداء البياتي
بمدة ليست ببعيدة كانت زميلة لي قديمة تعرفت عليها في غربتي بمدينة الهدوء السويد، وهي عراقية الأصل سويدية الجنسية غادرت العراق منذ العام 2003، تاركة خلفها أجمل الذكريات على ما قالته لي خلال زيارتها الاخيرة للعراق، فكان لقاءً تاريخيا، حيث أصدرت الزميلة رفل فرماناً يقضي بأن أكون معها لمدة اسبوع على الاقل اتنقل برفقتها من مكان آلى آخر في بغداد على أن تختار الأماكن بنفسها، كان ذلك بالنص مثلما طلبت، كونها من «سيورق» على جميع تلك الزيارات، وقبل أن توقع على هذا الفرمان مارست دوري كمعارضة، ورفضت مقترحها الأخير بأن تكون هي «التلافة» الوحيدة وتصرف على «الطلعات والعزائم» بمجازفة قد تجعل «جيبي» في خطر، فكيف أرتضي أن أكون في هذا الموقف وأنا صاحبة الدار الحقيقية، التي يشهد على كرمها كل من زارها، وبعد الاتفاق وإذا لم تخذلني الذاكرة كان شارع «ابو نواس» أول الأماكن من اختيارها وحمد لله نال اعجابها، واخذت تلتقط الصور التذكارية مع نصبي شهريار وشهرزاد، وهي تبتسم مفتخرة بأجمل اعمال مبدعي وطنها وأخذت تبعث اللقطات الى زميلاتها السويديات والمغتربات من جنسيات مختلفة عاكسة اجمل الصور الايجابية لبلدها، الغريب أن رفل أخذت تسمع مقترح صديقاتها بترك هذا الشارع والتوجه لتصوير ساحة التحرير ونصب الحرية، الذي شهد التظاهرات والاعتصامات، مثلما شهد فرحة الفوز بكأس الخليج، كنت أشعر بداخلي أن المقترح اشبه بالمؤامرة، ربما لأني خشيت أن أرى منظرا قد يشوه هذه الصورة الجميلة، التي نقلت للتو بمظهر غير حضاري مثل تراكم الاوساخ وغيرها.

ما كان باليد حيلة سوى الموافقة والذهاب لترى الصديقة المكان وهي بغاية السعادة، والحق فقد كنت أكثر سعادة منها، لكوني رأيت شباب يزنون وزنهم ذهبا، فقد رأيتهم يعملون بجد وبكل حيوية ولم أرَ النعاس يداعب عينيهم ليلا فهم لا يتجرؤون على التثاؤب، خشية ان تشوه ساحة ذلك المكان الرائع بما يرميه المارة من اوساخ، يسيرون وينظفون حتى الزوايا، سألتهم هل أنتم موظفون؟، أجابوا نعم نعمل عمال نظافة في أمانة بغداد على الوجبة المسائية، تبادلت زميلتي أطراف الحديث معهم، فسألتهم ماذا تعرفون عن هذا النصب والمكان؟ وبكل ثقة أجابوا: انه نصب الحرية للفنان جواد سليم وأخذوا يسردون ما جرى فيه بثقافة عالية، فكان موقفهم وثقافتهم يستحقان إعجاب مؤرخي الحركة الثقافية، فتحية حب وتقدير لكل كادح وعامل يسهم في جعل العراق أجمل.