أزمة في الأفق

الصفحة الاخيرة 2023/05/06
...

جواد علي كسار



بحكم عدم الاختصاص أنفق وقتاً طويلاً بقراءة تقارير الاقتصاد، لتكوين رؤية واضحة في الموضوع. وما لاحظته من المتابعة أن مشكلة قد تتحوّل إلى أزمة تكمن لنا في الطريق، تتمثل بانخفاض متوقع لأسعار النفط بدأت بوادره تلوح في الأفق؛ يتحدّث المختصون في الاقتصاد والسياسة عن إمكان تفاقمها هذا العام، بتدنّي أسعار النفط إلى (50) دولاراً  أو ما دون  ذلك.

ماذا نحن فاعلون وسط معادلة اقتصادية نعرفها جميعاً؛ اقتصاد أحادي ريعي، يرتبط بالنفط وحده؟! 

المتشائمون (وهم نسبة غير قليلة) ليسوا يائسين من إيجاد الحلول فقط، بل يعيشون ضرباً من القدرية والاستسلام للواقع المأزوم والقنوط الكامل من إمكانية تغييره، بعكس المتفائلين (وأنا منهم) يجدون في الأزمة مناسبة لعشرات الحلول والمعالجات الممكنة.

من رؤوس النقاط التي استفدتها من نقاشات المختصين والمهتمين، مما يمكن أن يتحوّل إلى مشاريع حلول تنقذ ارتهان العراق بالنفط وتقلباته السعرية، هي تعدد مصادر الدخل عبر العديد من المنافذ، منها العناية بالاقتصاديات المحلية وتطويرها، من الزراعة وصناعة الطعام وحقول الدواجن والأسماك، والمعامل الصغيرة وما شابه. كذلك إحياء المصانع المعطلة لكن بحسب معيار الجدوى الاقتصادية، وإلا ففتح مصانع بديلة أفضل، والعناية بالتعليم المهني وورش التدريب، وربط سوق العمل بسوق العلم، والتحصيل الجامعي والدراسات العليا بحاجات البلد، وليس بمحض الحصول على الشهادات لأغراض الترفيع فقط. 

السياحة في العراق طبيعية ودينية وأثرية تأريخية، كنز مضيّع آن الأوان لاستثماره، إذ العراق متحف مرّت به مختلف الحضارات والأديان والثقافات من جنوبه حتى شماله. فهل يُعقل مثلاً أن يبلغ عدد زائري سوق بايزيد المسقوف في اسطنبول (43) مليون زائر في العام، وتُهمل أسواق العراق ومدنه وحاراته؟.  لدينا منفذ بحري محدود لكنه مهمّ على المستويين الجيوبولوتيكي والجيوسياسي، هو منفذ الفاو، إذ يكفي أن نعرف أن الإمارات تجني من ميناء جبل علي وحده (83) مليار دولار سنوياً، وتحقّق أرباحاً تصل إلى (20) مليار أخرى، من تقديم الوقود والخدمات إلى السفن. لدينا أيضاً الثروات المعطلة من غاز إلى كبريت وفوسفات  وغيرها. 

نحتاج إلى تحفيز أصحاب رؤوس الأموال والشركات للاستثمار في المعامل والورش والصناعات البسيطة، على مبدأ الربح للجميع، بالإضافة إلى تحفيز دوافع الفعل الخيري وتوجيهها للإنفاق بإتجاه الصحة والتعليم والسكن، مقابل جذب الاستثمار الخارجي في البُنى التحتية، من النقل والمواصلات، والطرق والأنفاق والجسور، والمترو والقطار المعلق وما شابه.  عملية مركبة كهذه تتطلب التركيز على رجال الإدارة والأعمال والاقتصاد وأهل المعرفة والاختصاص، وعناية بذوي المواهب والمخترعين واستقطاب الطاقات العراقية في الخارج.