شيخ الطريقة وسليل ابن مقلة عبَّاس البغدادي

ثقافة 2023/05/07
...

 مرتضى الجصاني 


رحل في الثاني من أيار من العام الحالي فارس الحرف عن صهوة جواده بعد أن جال مشارق الأرض ومغاربها ولم يفارقه القصب والمداد، عبّاس البغدادي شيخ الطريقة وعندما نقول شيخ الطريقة فنعني بذلك القول ما تعنيه الجملة من صوفيَّة وروحانيَّة، فالبغدادي له مريدوه وله عاشقوه الذين يقلّدون سكناته وكلماته وحروفه وزوايا قلمه وطقوسه في محراب الخط العربي وهو صاحب طريقة ومدرسة اجتهد كثيرا في سبيل إرساء أركانها ووضع قواعدها وصرف جل وقته في التهذيب والتشذيب ورسم ونحت الحرف حتى صار سيدا للحروف وأوت أفئدة الراغبين والعاشقين إليه من كل حدب وصوب، وبذل في تعليم تلامذته أقصى جهده ولم يبخل على متعلم بمعلومة أو تفصيلة تنفع بل يضاعف جهده في سبيل إيصال تفاصيل الحرف إلى المتعلم حتى أصبح مكتبه في الأعظمية مزارا للخطاطين ولعشاق هذا الفن بل زاد على ذلك تنفيذه للأعمال التجارية التي كان ينفذها حسب طلب الزبون لكنه يجعلها خاضعة للقواعد الفنية وبذلك تخرج من بين أنامله تحفة فنية يحافظ عليها أصحابها كأنّها درة ثمينة لما تحوي من جمال وسحر للحرف، الحديث عن تجربة عبَّاس البغدادي يشبه النقطة في بحر عميق، فهو الرسام البارع والمصمم الرائع والمزخرف المتمكن والخطاط الذي أخذ الحرف من ناصيته ليسمو به إلى عالم آخر من الجمال الذي لم يسبقه أحد إليه مع حروف عباس البغدادي ترى ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي وجميع الخطاطين العثمانيين وترى هاشم البغدادي، إنّه سليل هذا المجد الثر وابن بغداد البار، حروفه أخذت من أعصابه وروحه حتى صارت تشبهه في قوتها وحدة حوافها، أبدع ثم أبدع حتى تجلى في جمال الحرف وتفرّد في أداء وتنفيذ تراكيب جديدة ومبتكرة ونصوص غير مطروقة وكتل متناسقة وفراغات مدروسة واشتقاقات للحروف أنيقة مريحة للبصر، ويبقى البغدادي الذي ترك وراءه إرثاً ثرَّاً من الخط متمثلا في اللوحات والكرّاسات التعليميّة والمسوّدات والدروس والتلاميذ ويبقى صوته وصوت قصبته في ذاكرتنا إلى الأبد، ولد عباس شاكر جودي البغدادي في بغداد نهاية الأربعينات من القرن الماضي وانشغل بالرسم ثم اتّجه إلى الخط العربي وأبدع فيه له الكثير من المنجزات التصميميَّة والخطيَّة وله عشرات من التلاميذ في كل الدول العربية وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي هاجر إليها ودرس الخط العربي هناك، أعماله مقتناة من كبار المسؤولين في العالم العربي والمتاحف والمعارض المهتمة بفن الخط 

العربي.