قصص تحاكي الواقع وتنهل منه

ثقافة 2023/05/08
...

  راسم الأعسم

           

ثماني قصص قصيرة ضمَّتها المجموعة القصصيَّة للقاص والروائي والمترجم عمار الثويني والصادرة عن الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق . اتسمت القصص جميعها بكونها قصص تندرج تحت ما اصطلح النقاد على تسميته بتيار القصة الواقعية الاجتماعية، وهو اتجاه كتب فيه العدد من القصاصين العراقيين من أمثال القاص خضير عبد الامير وموسى كريدي وفهد الاسدي ومهدي عيسى الصقر وغيرهم، إذ يتمحور الخطاب القصصي للتعبير عن حدث او حالة او موقف واقعي اجتماعي او سياسي صادفه الكاتب او عاشه عن قرب ان هذه القصص تظل في مجملها  التقاطات واقعية يحاول القاص تدوينها والتعبير عنها بصدق.إنَّ هذا الشكل من الكتابة القصصيَّة غالبا ما تتطلب ان يكون القاص حذرا من الوقوع في أسر التقريرية والمباشرة التي غالبا ما تثقل كاهل النص وتشغله بملاحقة التفاصيل والاضافات التي تقع أحيانا على هامش الحدث  من دون أن تضيف اليه شيئا.وأنت تقرأ هذه القصص ستلمس هيمنت النزعة السرديَّة الانشائيَّة على قصص المجموعة إذ تجري الاحداث بشكل انسيابي دونما عقد رمزيَّة او صياغات مجازية تستتر وراءها الأفكار والمعاني المراد ايصالها إلى المتلقي الذي لم يجد هو الآخر عنتا في استيعابها وفك رموزها من دون أن تترك للمتلقي مساحة لتفكيك الحدث وتأويله وحتى المساهمة في صنعه. اتسمت اللغة عموما بالوضوح والبساطة بعيداً عن التعقيد والغموض المفتعل.لم تنتظم القصص في محور او خط أو اتجاه معين، بل إن لكل قصة استقلاليتها عن القصص الأخرى من حيث المضمون او الفكرة التي تشتغل عليها القصة، لكنها من جانب آخر عكست في مجموعها العلاقة الحميميَّة مع الوطن والتشبث به في أشد الظروف وأحلكها وأقساها وطأة.في قصة (كيس الدعبل) التي امتدت على مدى ١٨ صفحة لم نلمس مبررا موضوعيا وعلاقة سببية بين العثور على كيس الدعبل وبين عودة حمادي الذي استشهد في الحرب الظالمة كما فهمنا من خلال سياق القصة ذاتها. أما قصة (الوطن الرياضي) فقد تناولت فكرة مفادها ان تقادم الزمن من شأنه ان يفقد الأشياء الجميلة جمالها ونضارتها وبهاءها، كما أن حماسة واندفاع الإنسان نحوها سرعان ما يخفان ويضمحلان مع مرور وتقدم الزمن، وهذا أمر طبيعي مرده إلى المتغيرات السلوكيّة والفكريّة والنفسيّة والمستجدات والانشغالات الحياتية التي تعتري للانسان  والتي تخضع إلى التغيرات والتبدلات هي الأخرى مع مرور الوقت.وتستوقفنا قصة (مرتفعات وذرينج) التي يرصد فيها القاص تلك الحالات النفسية كحالة الخجل والتردد والخوف التي تعتري البطل تجاه الفتاة الجميلة بتول الطالبة في قسم اللغة الانكليزية والتي تولى تدريسها المادة المقررة هي رواية مرتفعات وذرينج لايميلي برونتي. لكنه وجد نفسه منشغلا بها ولم يجرؤ على البوح بمكنون حبه لها ربما بسبب قيود البيئة الاجتماعية المتزمتة، لكنه وجد في قصة الحب بين كاثرين سيدة وذرينج وهيثكليف الغجري الذي أتى به والدها السيد ايرنشو وتحرج هيثكليف عن البوح بمشاعره تجاهها، اسقاطا لمشاعره هو تجاه الفتاة بتول التي أحبها والتي كانت هي الأخرى تكن له المشاعر ذاتها من دون أن تبوح بها هي ايضا، ربما للسبب نفسه. فكان أن وجدت هي الاخرى في الرواية ما ينوب عنها في التعبير عن حقيقية مشاعرها تجاهه، إنها لعبة تبادل الأدوار، لقد استحوذت بتول على مشاعره وقلبه لجمالها الباذخ لكنه لم يبح بمصارحتها  بحقيقة مشاعره واحاسيسه كهيثكليف بطل الرواية نفسه. تخللت القصة أحداث ومفاجآت تماهت مع جوهر الحدث ذاته. نص مازج فيه القاص ببراعة بين البعد الرومانسي والنفسي في تشكيل معطيات الحدث القصصي. وتستمد قصة (الأستاذ توفيق) من موضوعة الحصار الظالم الذي عانى منه الانسان العراقي وامتد على مدى ثلاثة عشر عاما، وما نتج عنه من معاناة ومكابدات مريرة، الامر الذي دفع بطل القصة إلى ترك البلاد والهجرة إلى الخارج بحثا عن  لقمة العيش. لقد كان ذلك سببا في هجرة العديد من الكفاءات والطاقات الشبابيَّة التي كان لها ان تسهم في بناء البلد وتطوره لولا تلك المغامرات والسياسات الرعناء التي الحقت ضررا بليغا في كل مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتتخذ القصة من الاردن مكانا تدور فيه الوقائع والأحداث التي عرضتها القصة.

وسلط القاص الضوء في قصته (صادق السنجري والنخلة العجيبة) على واحدة من مغامرات النظام السابق في محاولته عسكرة المجتمع وذلك بإقامة معسكرات الطلبة والشباب ودفع الالاف من الشباب الجامعيين والكوادر التدريسية للالتحاق بها عنوة لتدريبهم وزجهم في محرقة الحرب المجنونة التي افتعلها النظام والتضحية بهم لا لشيء إلا للدفاع عن نظامه السياسي. ثم ترصد لنا القصة تلك الهجمة الوحشيَّة وما الحقته بإحدى قرى سنجار الآمنة من دمار سببت في إزالتها من الأرض ولم تنجُ منها سوى تلك النخلة الوحيدة في القرية والتي اريد لها ان تكون شاهدا على تلك الفعلة البربريَّة الإجراميّضة. أما قصة (المرحوم فاهم) فتحكي لنا، عن أثر المفاجآت والمصادفات التي يجد الانسان نفسه ضحية من ضحاياها والتي تواجهه في الحياة فهي كثيرا ما ترسم مسارات حياته ونمط سلوكه وتطلعاته والتي قد لا تكون من وحي اختياراته الشخصية هو.لكن إرادته وتصميمه تظل أداة فاعلة ومؤثرة في تحقيق طموحاته وآماله المستقبليَّة.وتجسد لنا قصة (رهاب الطيران) حالة الفزع والرعب التي غالبا ما تعتري الإنسان وهو يسافر بواسطة الطيران وتلك حالة عامة وملازمة له. لأننا نبتعد عن الأرض حيث تمنحنا الاستقرار والثبات بعكس الارتفاع الذي كثيرا ما يبعث فينا الخوف والهواجس والرعب من المصير الذي قد نتعرض له أنه الخوف من المجهول المقبل.. ولنا أن نتساءل عن المعادل الموضوعي الذي هدفت اليه القصة ازاء مقاومة حالة الفوبيا والخوف من جراء رهاب الطيران . وتختتم بقصة (الصورة) التي اعتقد من وجهة نظري أنها أقرب إلى الخاطرة منها إلى القصة لافتقادها لاشتراطات القصة الفنيَّة. فليس هناك حدث ينمو ويتطور وشخوص تتحرك على مسرح الحدث مع غياب عنصر الدراما الذي من شأنه تصعيد ايقاع وتائر وتأثير الفعل القصصي. وكم كنت أتمنى ألا تضم هذه القصة للمجموعة. وهذا مجرد رأي لا غير.إنَّ هذه الملاحظات بالتأكيد لا تقلل من أهمية هذا الأثر الادبي المائز الذي يحمل بصمات قاص مبدع ومثابر خبر الصنعة القصصيَّة وجسّدها بكفاءة واقتدار في سفر إبداعه

الأدبي.