عبد الهادي مهودر
بمثل هذا الرقم الهائل تغيّرت أمم واشتعلت ثورات صنعت تاريخًا جديدًا، وحتى جغرافيا جديدة، لكن مثل هذه الأرقام والأهوال تمر علينا مرور الكرام، واعتدنا على سماعها، فقد كشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الاسدي عن 163 ألف متجاوز على شبكة الحماية الاجتماعية، معظمهم موظفون او ازواج موظفين يتقاضون راتبا وحصة تموينية من الدولة، وراتباً وحصة تموينية إضافية من وزارة العمل، ومن أموال اليتامى والعجزة وفاقدات المعيل من الأرامل وغير المتزوجات، ولا تستغرب عزيزي المواطن اذا رأيت شاباً مفتول العضلات عريض مابين المنكبين يركن سيارته الفارهة لاستلام راتب الرعاية ويجيز لنفسه ولأمثاله الاستيلاء على حقوق الآخرين وشرعنتها، من دون أن يرف لهم جفن أو يطولهم القانون، الذي يصيب البقة الصغيرة ويخطئ الفيل الكبير، ولأن شبكة الحماية الاجتماعية رؤوفة بالضعفاء، فقد شملتهم برحمتها وقسّطت لهم الأموال التي تقاضوها في السنوات الماضية، ولو كان لدى المتجاوزين بعض الشعور بالذنب والحياء، لخرج ولو فرد واحد منهم، ليدلي بتصريح أو بيان أو بوست في صفحته الشخصية، ليعتذر للفقراء وللشعب العراقي، الذي لا يعتذر المقصرون والمذنبون بحقه على مر التاريخ، وكما جاء في الأخبار أن أعدادا من المتجاوزين على رواتب شبكة الحماية، يملكون سيارات من نوع ( تاهو وجكساره ولكزز)، وربما (جي كلاس)، وبقية المتجاوزين يملكون (سايبات وستوتات وتكاتك و رينو 11)، وجميعهم صمتوا صمت القبور عن الفضيحة وسترت عليهم وزارة العمل، وأبدلت عقوبتهم وفق القانون بقرار التسديد الرحيم بالتقسيط المريح، ولا ننتقد هذا التسامح أو التساهل، بل العكس نشيد به، فلو كنّا متسامحين ومتساهلين على طول الخط لما حصل في البلاد كل ما حصل من قسوة وإعدامات ومقابر جماعية وثارات وانتقامات وإقصاء وتمييز وتهجير وبغضاء وكراهية، لا يمكن إزالتها من نفوس العراقيين مهما طال الزمن، لأننا نفعل كلَّ شيء فادح، ولا نختمه بالاعتذار والإقرار بالذنب وطلب الصفح، والاعتذار صفة حميدة غادرناها وأدب يداوي الجروح ويهذّب النفوس تخلينا عنه، وقصص القرآن مليئة بالاعتذارات وطلب العفو والمغفرة، والدول المتقدمة تقدمت علينا بترسيخ هذه الثقافة لدى المسؤولين في السلطة والمكلفين بالخدمة العامة ولم يتركوا النهايات سائبة، لكننا غيّبنا ثقافة الاعتذار نهائياً، ولم نسمع كلمة اعتذار وإقرار طوعي بالذنب من قاتل ومتجاوز ومسؤول مدان بالسرقة والفساد، فكيف نرجوها من مواطن بسيط تجاوز على شبكة الحماية لحاجة أو طمع أو جهل أو عدم خوف من العواقب، التي يدري أنها لن تكون وخيمة، لكن وجود 163 ألف متجاوز، إضافة إلى وجود آلاف المتاجرين بالمخدرات والأدوية والمهربين واللصوص والمحتالين والفاسدين يشعرنا بوجود خطر ويدعو لرفع حالة الإستعداد والحذر والانتباه، هل تعلم عزيزي المواطن عزيزي المسؤول، بأن الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت غزا مصر بربع هذا العدد الهائل في حملته الشهيرة؟
يا للهول يا مصيبتي يا لهوتي !.