دولُ المنطقة مرتبطة بالصين والهند بدلا من الغرب

بانوراما 2019/04/20
...

باراج خانا
ترجمة: شيماء ميران
يتجاهل مصطلح “الشرق الأوسط” الجامع الفروق الجغرافيَّة الواسعة والفوارق البسيطة وهو مضلل بشكل متزايد.
وقد أثبت علماء الأعصاب واللغويون أنَّ اللغة التي نتحدث بها والكلمات التي نستخدمها تجسد الكيفيَّة التي نفكرُ بها. ويهتمُ علم المصطلحات بعلم الجغرافية السياسية أيضاً من أجل تهيئة الكيفيَّة التي نرى بها جميع مناطق العالم. 
إنَّ مفردات لغتنا الجغرافية تتطور بشكل جوهري لتتناسب مع الأزمان، فعلى سبيل المثال كان مصطلح (الحرب الباردة) يستعمل في الغالب للإشارة الى (صراع الشرق والغرب)، لكنْ في يومنا هذا لا أحد ينظر لروسيا كممثل عن الشرق، في حين إنَّ الصين هي القوى الشرقية العظمى بشكل واضح. وللأسف عندما يصلُ الأمرُ للعالم العربي والتركي والفارسي، يبقى المصطلح الجامع لها (الشرق الأوسط) عالقاً بين متحدثي اللغة الانكليزيَّة. لا يزال “الشرق الأوسط” المبهم يمثّل كثيرا، حتى وإنْ كان لا يعني شيئًا على الإطلاق؛ نظرا لاستيعاب الفروق الجغرافية والفوارق الدقيقة الواردة في المصطلحات العربيَّة مثل “المغرب” و”الخليج” و”المشرق”. لذا، ألم يحن الوقت لتتكيف مفرداتنا مع الواقع؟
يشتمل الشرق الأوسط على كل المناطق من المغرب إلى أفغانستان، ويمتد عبر مجموعة من المناطق الفرعية الممتدة من شمال إفريقيا إلى آسيا الوسطى. لكنَّ دول شمال افريقيا بدءاً من مصر غرباً، لها علاقة قليلة مع آسيا حتى وإنْ كان معظمها مأهولاً باغلبية عربية. وهذا يجعله أكثر منطقية عند الإشارة الى غرب وجنوب غرب آسيا لتضم تركيا وإيران ودول الخليج والدول الواقعة بينهما.  في النهاية المسميات الجغرافية المحايدة تعدُّ أكثر شهرةً من الآثار الاستعماريَّة، فإننا نلقي اللوم بالتأكيد على الامبرياليَّة والحرب الباردة لتشظي ما كان موحداً بشكل أكثر سلاسة وصورة متكاملة للعلاقات عبر طريق الحرير في آسيا (طريق تجارية تربط شرق آسيا بغربها وبشرق افريقيا وجنوب أوروبا)، ولقد مرَّ ما يقارب ثلاثة عقود منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وهو وقتٌ أكثر من كافٍ بالنسبة للقادة العرب لاتخاذ مصطلح يتناسب مع الظروف العالمية
الجديدة.
 
دول الخليج وغرب آسيا
منذ ذلك الزمن كان نهوض جنوب وشرق آسيا قد أجبر غرب آسيا على اكتشاف جغرافيتها الآسيويَّة. 
وربطت دورة الطاقة الفائقة، التي انطلقت في تسعينيات القرن الماضي، ثروات الخليج بسرعة مع آسيا أكثر من الغرب؛ خصوصاً دول الصين واليابان وكوريا الجنوبية، والهند المتعطشة للطاقة الآن. 
فتزايدت تجارة دول الخليج مع جميع المناطق الفرعيَّة لآسيا، إذ تصدر دول مجلس التعاون الخليجي النفط والذهب الى الهند وتستورد المجوهرات والمنسوجات بما يبلغ تقريباً 200 مليار دولار سنوياً. 
وللصين ايضا تجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي ما يقارب 170 مليار دولار ويتزايد استخدامها للرنمينبي (عملة الجزء القاريّ من الصين ووحدتها الأساسية اليوان) لإعادة تفعيل الخطط من أجل اتفاقية التجارة الحرة. 
ففي العقد الماضي وسعت كلٌ من اليابان وكوريا الجنوبية تجارتيهما مع دول الخليج وواصلت اليابان اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتضاعفت في هذه الأثناء الصادرات الآسيويَّة من اللحوم والفواكه والشاي والسلع الزراعيَّة الاخرى الى دول الخليج خلال أقل من عشر سنوات والمشاركة بنحو 130 مليار دولار في تجارتها السنويَّة، كما يتوقع أنْ يتضاعف استهلاك الطاقة الآسيوي الى الضعف للفترة ما بين 2015 و2030 وبدعم إضافي كبير من الخليج.
إنَّ سعة الاستثمارات الحديثة لطريق الحرير البحرية الجديدة الممتدة من مضيق هرمز وصولاً الى مضيق “ملقا” الذي يعدُّ أكثر ممرات الطاقة أهمية في العالم هي دليلٌ آخر على جذب الآسيويين لجميع أركان 
المنطقة سويةً. 
ففي أوائل العام 2017 زار الملك سلمان ملك السعودية بجولة استغرقت شهراً واحداً كلاً من ماليزيا واندونيسيا واليابان والصين ليفتتح مصافي البتروكيمياويات فيها للنفط المستورد من المملكة، إنَّ الكثير من أبناء جيله درسوا في الهند وعاود الآلاف من الشباب السعودي الآن الذهاب الى الجامعات الهندية كمستفيدين من منحة الملك عبد الله، كما أطلقت جميع دول الخليج حملات مقابلة نحو الشرق، فاستثمرت الكويت وقطر في مصافٍ جديدة كبيرة في اندونيسيا، بينما تتعهد حاليا شركة مبادلة للبترول لاستكشاف الغاز في تايلاند ومواقع 
أخرى في جنوب شرق آسيا.
 
استثمار الشركات
بالاتجاه المقابل اشترت الصين حقول نفط إماراتيَّة من خلال حصولها على حصة في شركة ابو ظبي للعمليات البترولية البريَّة، بينما وقعت كل من شركتي جيانغسو للتعاون والاستثمار فيما وراء البحار وكوسكو عقوداً لمدة 35 و50 عاماً على التوالي لاستثمار منشآت ميناء خليفة في أبو ظبي. واستثمرت الصين في العام 2016 فقط 26 مليار دولار في العالم العربي. 
وتعدُّ العربية هي اللغة الأسرع نمواً في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين. ويدفع نمو الاستثمار عبر آسيا خططاً للفصل بين النفط والدولار، ويتوقع العديد من الخبراء تثبيتاً وشيكاً لأسعار النفط وفق تسعيرة منطقة الرنمينبي.
إنَّ اقتصادات الخليج لا تستطيع تحقيق أهدافها في التنوع الاقتصادي من دون دعم من شرق آسيا، ففي العام 2015 اشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي 38 بالمئة من حصة شركة بوسكو الكورية للهندسة والبناء، بعدما تحولت شركة ارامكو السعودية الى هيونداي الكورية لإنشاء أكبر ورشة لبناء وتصليح السفن في الخليج.  أما البحرين وسلطنة عمان فتحولتا الى مصارف شرق آسيا للتمويل التجاري والاستثمارات المشتركة، وكان لليابان وكوريا الجنوبية دورٌ مهمٌ بتقديم أفضل المكائن الصناعيَّة والالكترونيَّة الضروريَّة التي تلبي طموح دول الخليج في التحول الاقتصادي.
كما عملت صناديق الثروة السياديَّة في آسيا والتكتلات المالية مع دول آسيا النامية في مشاريع البنى التحتية المهمة، فتعهدت شركة مبادلة للاستثمار مع شركائها في الصين بمليار دولار للفرص الموجودة هناك، بينما رصدت شركة موانئ دبي العالمية ثلاثة مليارات دولار تستهدف استثمارات في مجال الخدمات اللوجستيَّة المتنامي بسرعة في الهند، وتقود الشركات التكنولوجيَّة الآسيويَّة العجلة للاستحواذ على 400 مليون زبون في العالم العربي نصفهم من مستخدمي الانترنت بانتظام. 
وكانت شركة (علي بابا) الصينيَّة قد بدأت استثماراً بقيمة 600 مليون دولار في المدينة التكنولوجيَّة بالقرب من جبل علي في دولة الإمارات والذي سيكون مقراً لشركات الروبوتات وتطبيقات 
الهواتف.  وتطلق شركة تينسنت الصينيَّة خدمات (وي تشات) عبر المنطقة لتسهيل طرق الدفع والتحويل لملايين العمال المهاجرين من جنوب آسيا، بينما باشرت شركة (شاومي) الصينية للالكترونيات ببيع هاتفها الذكي بقيمة 88 دولاراً مستهدفة بهذا العمال ذوي الأجر المنخفض.
 
منطقة صناعيَّة خاصَّة
منذ ربع قرن مضى كان أضعف جزء من العالم العربي ميداناً للغرب مع حرية إشراك الآسيويين في التدخلات الغربيَّة العسكريَّة والتبرعات المالية، أما الآن فأغلب عقود الطاقة المهمة الطويلة الأمد ومشاريع البنى التحتية والمبادرات الدبلوماسية مرتبطة بالقوى الآسيوية، وستحدد الرابطة الآسيوية- العربية مستقبل غرب آسيا بدلاً من إملاءات غربية تأتي من واشنطن ولندن. 
فالصين والهند هما بالفعل أكبر دولتين تشتريان النفط العراقي، إذ استخدم الجيش العراقي طائرات مسيرة صينية الصنع عام 2017 في معركته ضد داعش التي خرج منها منتصراً منذ 12 شهراً، وفازت شركة هواوي الصينية على مقدمي العروض الأوروبيين بعقد بناء البنية التحتية للاتصالات في 
العراق.
كما تملك بقية الدول العربية التي فشلت في بناء هويتها الهادفة بعد الاستعمار الفرصة لتعميق العلاقات الستراتيجية مع الاقتصادات الأكبر والأسرع نمواً في العالم، فالأردن تحاول التوقف عن الاعتماد على المساعدات العربية والغربية من خلال دعوتها للمستثمرين الآسيويين لمساعدتها في بناء قاعدتها الاقتصادية، فضلاً عن أنها أصبحت عضواً مؤسساً في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ولتكافأ بموافقة تمويل فورية لغرض بناء محطات النفط الصخري ومحطات الطاقة المتجددة، فتكون منطقة صناعية خاصة للتصنيع والخدمات اللوجستية بالقرب من ميناء العقبة الستراتيجي، كذلك تعاقدت مع الصين بمبلغ ثلاثة مليارات دولار لبناء شبكة سكك الحديد الوطنية، وخلال عقد من الزمن ستصبح شبكة سكة حديد الحجاز القديمة جزءاً من شبكة طريق الحرير الآسيوية الجديدة، لقد اعتاد السوريون على التفاخر بتسمية أنفسهم (شرق اوسطيون) والآن أدركوا أنَّ مستقبلهم مرتبطٌ بعرب آسيا.
 
عن موقع ناشنينال جيغرافيك