الفيلم المغربي {ملكات} : تمثيل قوي وسيناريو غير مضبوط

ثقافة 2023/05/08
...

  عبد الكريم قادري

حاولت المخرجة المغربية ياسمين بنكيران (39 سنة)، في فيلمها الروائي الأول "ملكات" (2022) الذي شاركت به في أسبوع النقاد بالدورة الـ 79 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (31 آب و10 أيلول 2022)، أن تنتصر للمرأة ومعاناتها المستمرة في المجتمعات الذكورية، أي أن تجعل من النسوية كموضوع أساسي في فيلمها، مستعينة بأسطورة مغربية منتشرة في العديد من البلدان المغربية، حول عائشة القنديشة، التي تعتبر في المخيال الشعبي ملكة للجن والسحر والمعطيات الخارقة، وقد تناسلت من هذه الأسطورة العديد من الحكايات التي تتم روايتها عادة للأطفال، سواء بغاية الترفيه والتسلية، أو لإخافتهم، ولقد استغلت ياسمين بنكيران هذه القصة التراثية لتنسج سيناريو فيلمها، انطلاقاً من الشكل السينمائي الذي يطلق عليه "سينما الطريق" بحكم أن معظم أحداث العمل جرت على الطريق.

تتمحور القصة حول الأم السجينة (نسرين الراضي) القابعة في السجن، التي تصلها معلومات عن ابنتها (ريحان غاران) التي أضرمت النار في مدرسها، انطلاقاً من حرقها لأحذية زملائها وزميلاتها في المدرسة، وبعد فترة قصيرة تقرر الأم وبطريقة غير مفهومة أو واضحة الفرار من السجن، لتخطف ابنتها من المركز وتفر بها، تصل مكالمة هاتفية للشرطي (حميد نيدر) تخبره بالحادثة، لتبدأ بعدها عملية التتبع والمطاردة برفقة زميلته الضابطة (جليلة التلمسي)، خاصة وأنهما أمسكا برأس الخيط، بعد أن قامت امها باختطاف شاحنة واجبار أسماء (نسرين بنشارة) على قيادتها تحت تهديد السلاح، لتنطلق رحلة الأم وابنتها وأسماء على طرقات صحراء الأطلس المتعرجة والمستقيمة والملتوية وذات التضاريس والألوان المختلفة، بينما تقوم الشرطة برصد تحركاتهن، في محاولة منهم للحاق بهن والقبض على المجرمة الهاربة من السجن. 

تنكشف أسطورة الجنية عائشة القنديشة في الفيلم بشكل متمهل، من خلال الحوارات التي تجمع أسماء المختطفة والطفلة، من بينها أنها أضرمت النيران في المدرسة حتى تتبع أو تبحث عن علامات ما في الأقدام، تحويلها على عوالم عائشة القنديشة، انطلاقاً من الكتاب الذي تملكه حولها، أي أن الأمر بمثابة الأحجية، كلما مرة تنكشف لها علامة، خاصة وأنهن على طريق العلامات، وكأن القدر أو القوى الخارقة تقودها لتحرير عائشة من العالم الذي حبست فيه، كي تعود إلى عوالم الجن والسحر الذي تنتمي إليه، وقد تفهمت أسماء ما كان يجول في خاطر الطفلة، بل أصبحت تساعدها، كما وعدتها بألا تخبر أمها التي لا تتفهم هذا المنطلق، لتصبح أسماء فيما بعد مندمجة معهما، وكأنها كانت تبحث على من ينتشلها من العالم الذي كانت تعيش فيه، مع زوج لا يقوم بواجبه صوبها، ولم تستطع أن تتحرر منه، وكأن أسماء وقعت في حب جلادتها، لدرجة أنها قاومت الشرطة بدون ضغط وفرت بالشاحنة بعد أن تمت محاصرتهن وقطع الطريق أمام الشاحنة، وتقول المخرجة ياسمين بنكيران في كلمتها في العمل الذي أنجزته:"يتساءل  فيلم "ملكات" عن شخصيات نسائية مختلفة من حقبة لم تتغير، على أسماء أن تختار بين أن تظل مطيعة وحكيمة تجسد عذراء نقية، أو أن تتحرر من خلال تجارب تجلب نوعاً من العار؟ هذا الاختيار يحدث بسرعة وبدون التفكير فيه لأنه أقوى منها، ويدفعها إلى الجانب الآخر، هذا التحرر له ثمن، فهو يجعل أسماء خارجة عن القانون". 

حاولت المخرجة من خلال هذه الكلمة أن تقود الجمهور إلى تلقٍ معين، لكن طريقة صياغة الفيلم وكتابة السيناريو والمعالجة الإخراجية لا تساعد في دمج المتلقي في هذا الاتجاه، لغياب اللمسة الإخراجية الخاصة التي تعكس المخرجة وهويتها السينمائية، لأن معظم مشاهد العمل غير خالصة ولا تملك خلقاً فنياً جديداً، أي أنها عبارة عن خليط من السينما "البوليسية"، و"الووسترن" وغيرها من التيارات والمذاهب الأخرى، إضافة للكليشيهات التي يتم عكسها دائماً في السينما كموضوع، عن الذكورية المفرطة وتعامل الشرطة الكاريكاتوري مع الأحداث الإجرامية، إضافة إلى المبالغة في تصوير عجز الشرطة عن القبض على الهاربات اللواتي كن يقدن شاحنة قديمة، إذ يتم هذا الأمر بسهولة كافية، ليكون غير مقنع، لكن التمثيل الجيد لنسرين الراضي ومن معها أسهم في تغطية العديد من عيوب الفيلم، خاصة أن نسرين أظهرت مقدرتها الكبيرة على التقمص واللعب والعامل مع الشخصية التي تؤديها ببراعة.

فيلم "ملكات" أسهمت في إنتاجه كل من فرنسا، والمغرب، بلجيكا، وهولندا، والمملكة العربية السعودية، وهو أول تجارب المخرجة ياسمين بنكيران التي درست الفلسفة والتواصل في باريس، كما عملت في كل من "بوينس آيرس" و"سان فرانسيسكو" و"باريس" و"لندن"، ثم التحقت بالمدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت "فيميس". 

تكتب ياسمين للتلفزيون والسينما، وصدر لها كتابان عن المغرب وسلسلة بودكاست عن تاريخ الفن السابع من وجهة نظر أليس جاي، وقد أخرجت أول فيلم قصير لها "ساعة فصل الشتاء.