زيد الحلي
المبدعون في بلادي كثيرون، غير أنَّ الذين غذوا السير في دروب الإبداع قلَّة، وقد آثر العديد منهم الانزواء وهم في قمة عطائهم.. فأين الفنانة "جرمين"؟ قد يبدو هذا السؤال مفاجئاً، غريباً فهو يتضمن استفساراً عن فنانة مثقفة ومبدعة، انسحبت من حياتنا قبل ستة عقود، لكني أجده سؤالاً قائماً عن كل من كان على شاكلتها، قديماً وحديثاً... فهذه الإنسانة جاءت الى بغداد من مدينتها "البصرة" لتختار فرع اللغة الإنكليزيَّة في دار المعلمين العالية مكاناً لدراستها الأكاديميَّة، ولتختار المسرح مكاناً لموهبتها، فكانت بطلة لجميع المسرحيات الراقية التي شهدتها بغداد في خمسينيات القرن المنصرم، لا سيما مسرحيات شكسبير... إنَّ "جرمين" انسحبت وهي في قمة العطاء، حتى أنَّنا لم نعد نسمع عنها
شيئاً.
ثم أين "أكرم جبران"؟ هذا المبدع الكبير الذي كان نجماً قبل عقودٍ مضت، وكتبت عنه الصحف والمجلات العراقيَّة والعربيَّة، مؤكدة أنَّه سيكون مخرجاً سينمائياً عراقياً كبيراً، خاصة بعد أنْ عملَ مساعداً للمخرج الفرنسي "شوتان" مخرج أول فيلمٍ عراقي هو (عليا وعصام) ومساعداً للمخرج المصري "أحمد كامل مرسي" مخرج فيلم (ليلى في العراق).. نعم، أين
هو الآن؟
وأين هو الشاعر "طه العبيدي" مؤلف الملحمة الشعرية (طعم النار) التي جمعت بين جزالة اللفظ ووجدانيَّة المعاني وقوة التعبير، وأين هي الشاعرة "فطينة النائب" التي فازت بالجائزة الأولى من بين ستة شعراء يمثلون كليات العراق في بداية الخمسينيات.. وأين رائد المسرحيَّة الشعريَّة في العراق خالد الشواف؟
لا أريد أنْ أعددَ أسماءً أخرى، إذ قد يقول قائل إنَّها مجرد أسماء، رحل بعض أصحابها الى الدار الآخرة.. وبعضهم الآخر انزوى تحت وطأة العمر.. كلا.. لا أريد ذلك، فجذور مبدعينا تمتدُّ في أرضنا، مثل شجرة نخلٍ عراقيَّة.. ونحن بحاجة للاستمرار، فبالعطاء وحده نطهر النفوس ونعيد الأمل الى
ذاتنا.
إنَّ الزمن والتاريخ ليسا في صالح أحد، إنهما يبدوان وكأنهما محايدان، لكني أجزم أنهما يقفان الى جانب من يحب الوطن.. والمبدعون الحقيقيون وطنيون
دوماً.
وبكلمة مختصرة أقول: إنَّ المحارة الجريحة وحدها هي التي تضمد جراحها.. بلؤلؤة.