ذات صباح في أواخر تموز، فيما كنا في دورية قرب لزكاتور، اشتبك (لي سترانك) و(ديف جنسن) في عراك بالأيدي. كان السبب تافها، فقدان مطواة، ولكن برغم تفاهته كان العراك شرسا. في البداية كانت الكفة ترجّح مرة لصالح هذا ومرة لصالح ذاك، ولكن ديف جنسن كان أضخم وأقوى، وأخيرا طوّق عنق سترانك بذراعه وثبّته في الأسفل وواصل ضربه على
الأنف.
ضربه ضربا قاسيا ولم يتوقف عن ضربه. أصدر أنف سترانك صوت انكسار حاد، مثل طقطقة حطب النار، ولكن برغم هذا ظل جنسن يلكمه، مرة بعد أخرى، لكمات سريعة لا تخطئ.
تطلب الأمر ثلاثة منا للتفريق بينهما. عندما انتهى العراك توجّب أن يعاد سترانك الى الخلفيات حيث أجري اللازم بخصوص أنفه، وبعد يومين التحق بنا مرتديا جبيرة معدنية والكثير من الشاش.
في أي ظرف آخر كانت القضية ستنتهي هناك، ولكن هذه فيتنام، حيث الفتيان يحملون أسلحة، وأخذ ديف جنسن يقلق. بدأ يخاف. أكثر الأوقات يفكّر بهذا. لم يصدر عن سترانك تهديد أو توعد بالانتقام، مجرد صمت متوتر بينهما جعل جنسن يتخذ اجراءات وقائيّة. خلال القيام بدوريات كان يحرص أن يسير خلف سترانك حيثما كانا، ويحفر لنفسه حفرة المناوش في أقصى محيط الحُفَر، ويبقي ظهره محميا، ويتجنّب حالات قد تجعلهما على انفراد.
أخيرا بعد اسبوع من هذا الوضع بدأ التوتر يسبب مشاكل. لم يستطع جنسن أن يهدأ وقال كأنّنا نحارب في حربين مختلفتين، لا توجد أرض آمنة، والأعداء في كل مكان، وليس من جبهة أو خلفيات. في الليل يصعب عليه النوم -شعور جفول- دائما في حذر.
إذا سمع صوتا غريبا في الظلام يخيل اليه أن رمانة يدوية أتته تتدحرج الى حفرته أو وخزة سكين عند أذنه. اختفى عنده الفرق بين الفتى الطيب والفتى الشرير، وحتى في أوقات الأمان النسبي الذي نأخذ فيه نحن الآخرون حريتنا في التحرك يجلس جنسن وظهره الى حائط، معرضا سلاحه على ركبتيه، مراقبا سترانك بنظرات عصبية سريعة.
وصل أخيرا الى نقطة فقد فيها السيطرة. شيئا ما إنكسر ولا شك، وذات مساء أخذ يطلق الرصاص من سلاحه في الهواء وهو يصرخ بإسم سترانك. يطلق الرصاص ويصرخ فقط.
ولم ينته هذا الى أن أفرغ مخزن البندقية. كنا جميعا منبطحين أرضا، ولا أحد منا له الجرأة أن يقترب منه. بدأ جنسن يملأ مخزنه من جديد، ولكنه فجأة جلس ووضع رأسه بين يديه ولم يتحرك. ظل هناك جالسا لساعتين أو ثلاثا، ولكن هذا ليس أغرب ما في الأمر، لأنه في وقت متأخر من تلك الليلة استعار مسدسا وأمسكه من ماسورته، واستخدمه كمطرقة ليكسر أنفه به.
بعدها اجتاز محيط الدائرة الى حفرة سترانك. أراه ما الذي فعله بنفسه وسأله إن كل شيء متعادل بينهما. لكن في الصباح قال سترانك وهو لا يستطيع التوقف عن الضحك “الرجل مجنون. أنا سرقت مطواته”.
*
المصدر The Things They Carried, Short Stories. Tim O`Brein
تم أوبرين (مواليد 1946) قاص أميركي أبرز أعماله مجموعة قصص (الأشياء التي حملوها) 1990 و(لون بوينت) 1993. ومن رواياته (إذا مت في ميدان القتال فضعني في صندوق وإشحني الى الوطن) 1973، وقد انعكست تجربته في حرب فيتنام في قصصه التي حول بعضها فيما بعد الى روايات كالقصة التي حملت عنوانها المجموعة التي ترجمنا منها هذه القصة.
حاز على جوائز مهمة منها جائزة أو هنري والجائزة الوطنية، واختيرت نماذج من قصصه في
المختارات.