الربيع الثوري الأوروبي.. جغرافيا الجوع

ثقافة 2023/05/10
...

 ترجمة: ثريا جواد


 كتب الأسترالي- البريطاني كريستوفر كلارك ‏مؤرخ العصر الحديث‏ في كتابه (الربيع الثوري: القتال من أجل عالم جديد  عام 1848) ويلقي الضوء على تأثيرها في العلاقة المشحونة بين الليبراليين والراديكاليين، لأنها تحتل مكانًا غريبًا في التاريخ الأوروبي ويعترف معظم المؤرخين بأهميتها كمجموعة انتفاضات على مستوى أوروبا ومع ذلك فإنها تظل إلى حد كبير حضورًا مغمورًا في الوعي الأوروبي، إذ لا يُنظر إليها على أنها "نقطة تحول" بحسب الدبلوماسي البروسي رادويتز بل "نقطة التحول التي فشل فيها التاريخ الحديث في التحول"  على حد تعبير الجنرال موتورز تريفليان. 

- الربيع الثوري الجديد الرائع للثورات هو تاريخ كتبه كريستوفر كلارك أستاذ التاريخ في ريجيوس /جامعة كامبريدج يتحدى هذا الحكم ويسعى لإعادة فهمنا للثورات في العام 1848 والتي يرفض فيها كلارك إجماع المؤرخين على أن التمردات فشلت بحجة أن الحديث عن "النجاح" "و" الفشل" هو تفويت النقطة ويصر على أنه لا يمكننا الحكم على الانتفاضات إلا من خلال تأثيرها وفي رأيه إن إرث عام 1848 هائل ويبدأ بوصف الخلفية المادية للثورة بتفصيل كبير و "الضعف الاقتصادي" لأعداد كبيرة من الأوروبيين الذين اجتاحهم الجوع والطاعون، وجشع وفساد أصحاب العمل وأصحاب العقارات والحكام، كما حدث عندما اندلعت صقلية في ثورة ضد ملك بوربون فرديناند الثاني بعد ستة أسابيع أطاح تمرد في باريس بالملك الفرنسي لويس فيليب وبحلول شهر آذار كانت ألسنة اللهب تجتاح المدن من ميلانو إلى فيينا  ومن برلين إلى بودابست ومع ذلك لم تكن الثورة مجرد نتاج السخط في مثل هذه الظروف الاجتماعية "جغرافيا الجوع" على حد تعبيره لا ترتبط بـ "جغرافيا الثورة" بل كانت المخاوف السياسية أكثر من الاقتصادية أو الاجتماعية  وهي الدافع الرئيس وراء التمردات.

- كانت الانتفاضات في البداية ناجحة بشكل لافت للنظر، إذ  جلبت في أعقابها برلمانات وحريات ودساتير جديدة ومع ذلك  بدأ النظام القديم في غضون عام بإعادة تأكيد نفسه بشراسة في كثير من الأحيان وتراجع العديد من الحريات السياسية والاجتماعية المكتسبة حديثًا، وكتب كلارك أن المغزى من القصة هو أن الثوار لم يتمكنوا من بناء تضامن دولي قوي بما يكفي يمكنه الصمود أمام "التهديد الذي تشكله الأممية المضادة للثورة"-يقوم كلارك بعمل رائع في كتابه عن ثورات أوروبا في نسج الخيوط التي لا تعد ولا تحصى التي تشكل السرد مما يسمح لنا برؤية الأحداث بتفاصيل دقيقة ومع رؤية شاملة على مستوى أوروبا في حين أن الثورات في بلدان مختلفة سرعان ما تبعت بعضها البعض إلا أنها لم تكن شرارة للثورة التالية وبدلاً من ذلك فقد ولدت جميع الثورات من خلال مجموعة مشتركة من الظروف الاجتماعية والسياسية التي امتدت عبر القارة متجذرة كما كانت "في الفضاء الاقتصادي المترابط  نفسه تتكشف ضمن أنظمة ثقافية وسياسية

متشابهة".

- كان الليبراليون في الأساس من الكتاب والمفكرين والسياسيين البرجوازيين الذين عدوا أنفسهم محاصرين بين "الثورة والاستبداد" ويرغبون في "تتبع مسار وسط" بين الامتيازات والتسلسلات الهرمية للنظام الحاكم التقليدي وما اعتبروه استبدادًا وتطرفًا اجتماعيًا للمتطرفين، المتمثلين في إرهاب (اليعاقبة) الذي أطلق العنان خلال الثورة الفرنسية، والليبراليون على حد تعبير كلارك  "رفضوا امتيازات الولادة" بينما "أكدوا امتياز الثروة" وطالبوا "بالمساواة السياسية دون الإصرار على المساواة الاجتماعية"، وأكدوا "مبدأ السيادة الشعبية" بينما "يحدون من تلك السيادة، خشية أن تأتي لتعريض الحرية للخطر" لم يكونوا ديمقراطيين لأنهم بينما كانوا "يتطلعون إلى التحدث باسم الشعب"  فإن ما يقصدونه حقًا بـ "الشعب" كان نسبة صغيرة من دافعي الضرائب الذكور المتعلمين كانوا وفي أحسن الأحوال ثوريين مترددين في حين أن الليبراليين كانوا أكثر تركيزًا على مسائل الحرية السياسية، مثل مدى الامتياز، وحرية الصحافة، ومساواة المرأة، وإلغاء العبودية وتحرير اليهود وطالب العديد منهم بالاقتراع العام، وحرية صحافة أكبر وأشكالاً أكثر شمولاً للديمقراطية كما ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير في استعدادهم لاستخدام القوة والعنف لتغيير المشهد

السياسي.

عن الغارديان