اكزوبيري.. الأمير الصغير والارستقراطي الفقير

ثقافة 2023/05/11
...

 وليد خالد الزيدي

 

 كاتب الرواية الشعرية في الأدب الكلاسيكي وصاحب أحد أفضل خمس قصص في القرن العشرين أنطوان دو سانت إكزوبيري طيار وكاتب فرنسي ولد في عام 1900، بمدينة ليون وتعد قصته (الأمير الصغير) من أشهر قصص أدب الأطفال في العالم وأعمال أخرى حاول فيها إيجاد معاني وتفسيرات لسلوكيات مجتمعه العصري وتحليل قيمه الأخلاقية الفوقية بسبب التقنية الحديثة التي تذمر منها.

 فشل مرتين في امتحانات التحضير للأكاديمية البحرية الأميركية فالتحق بمدرسة الفنون الجميلة كمستمع وبدأ خدمته عام 1921، وعين طياراً مقاتلاً في الدار البيضاء بالمغرب وبحلول عام1926، أصبح أحد رواد الطيران البريدي الدولي وعمل بين تولوز وداكار وجاءت فكرة روايته "الأمير الصغير" من حادثة هبوطه الاضطراري بطائرته في الصحراء الليبية حيث أثرى الطيران مخيلته فحلق في فضاءات رحبة فكانت أولى رواياته (الطيار) أما (الأمير الصغير) الرواية الشعرية فأيقونة فريدة في عصرها إلى اليوم تلهم الدارسين حتى صدر بذكرى وفاته الستين كتاب خصّص لشرح رموز ورسائل الرواية بعنوان (كان ذات مرة.. الأمير الصغير) وضم شهادات ووثائق نشرت لأول مرة.

 تدور القصة حول طيار استهوى الرسم في طفولته ولم يجد تفهماً لرسوماته الغريبة تسقط طائرته في صحراء قاحلة فيلتقي بطفل يطلب منه رسم خروف فيدور بينهما حوار شعري ممتع يغوص ببراءة الأطفال بلغة صافية عميقة يقل مثيلها مستوحياً منها فكرة الأمير الصغير ومن الحادثة رسائلَ رمزية تمثل فلسفته الشخصية وتجربة فهم معنى الحياة والموت ونظرته للقيم الإنسانية ومعارضته للجبروت والكبرياء الغربي فسلّط الضوء على إشكاليات معاصرة في زمن الحداثة والعولمة كفكرة حوار الحضارات أو صراعها فجعل أميرَه الصغير هذا يدور بين الكواكب حتى الكوكب رقم (612) ليلتقي بشخصيات عديدة كالملك الباحث عن السلطة وصاحب الشموع الساعي للعمل المتقن ورجل الأعمال المتعطش للمال وعالم الجغرافيا المفتون بالمعرفة حيث مازج اكزوبيري في طرحه بين رمزية الحرف والتشكيل جاعلاً من الحرف تجريداً ناقلاً للدلالة ومن الرسم تجريداً ناقلاً للمعنى وهو ما ندر مثيله في كتابات عصره وما قبله فقد كانت عملاً لطيفاً صور للناس فكرة السلطة التي تقوم أولا على العقل، فإذا ما أراد الحاكم أن يطاع عليه إصدار أوامر معقولة وتجريب محاكمة نفسه قبل أن يحاكم الآخرين ولو فعل ذلك سيكون حكيماً حقيقياً وقد قسم الكواكب فعد لكل منها صفات وأهدافاً مختلفة تماماً عن بعضها وهو بذلك استبعد فكرة العولمة واندماج الحضارات آنذاك متهكماً على سطوة الفكر الغربي وجبروته على الآخرين.

 امتعض اكزوبيري من النظرة الاستعلائية لمجتمعات أوروبا واحتقار الآخرين، وإن كانوا على صواب، وأظهر ذلك في نص مقتبس من روايته على سبيل المثال (إن الأمير الصغير جاء من الكوكب رقم612 وهذا الكوكب لم يُرَ في المجهر إلا مرة واحدة عام 1909 بواسطة  فلكي تركي أثبت اكتشافه بأدلة قاطعة في مؤتمر فلكي دولي ولكونه كان مرتدياً ثياباً تركية لم يصدقه أحد ولحسن طالع الكوكب قام في تركيا حاكم فرض على الشعب تحت طائلة الموت ارتداء الملابس الأوروبية فارتدى الفلكي لباساً أوروبياً أنيقاً وأدلى في عام1920 بأدلته عن اكتشافه فانضمّ الجميع لرأيه هذه المرة).

 انتمى أنطوان دو سانت لأسرة أرستقراطية ثرية تُوفي والده الموظف بشركة للتأمين بسكتة دماغية بمحطة قطار مدينة ليون وهو بسن الرابعة، فتأثرت الأسرة برمتها بوفاة الأب وتحول وضعها إلى أرستقراطية فقيرة، لكنه عاش 

طفولة جميلة وإثراء أدبياً حتى فقد مع طائرته يوم (31/ تموز/1944) أثناء مهمة استطلاع 

فرنسية ولم يعثر على جثمانه إلا عام 1988على الساحل الفرنسي قبالة مرسيليا.