راديو يهرب من سوق مريدي

الصفحة الاخيرة 2023/05/11
...

 عمان: يعرب السالم 


الصدفة وحدها دفعتنا لاكتشاف أنَّ هناك راديوهات تسافر من دون جواز سفر!. خلال تجوالنا للبحث عن موضوعٍ شيّقٍ لـ"الصباح" وجدنا أنَّ التشويق هو مَنْ يبحث عنا، فقد باغتنا صوت صاحب محل لتصليح الراديوهات في جبل الحسين قرب دوار فراس، بقوله "أهلاً بالعراق". ونظراً لحفاوة الاستقبال هبطنا درجتين لنكون داخل قبوٍ للراديوهات القديمة التي ما عادت تصلح إلا لديكورات تراثيَّة لها عشاقها. راديوهات هرب المذيعون منها وغادرتها أصواتهم العذبة، تكدست فوق بعضها البعض أشبه ببرج بيزا المائل، وكأنها تواسي نفسها بتجمعها العشوائي المُغْبَّر.

نشاهد في زاوية ما هناك، راديو من خشب الجوز ماركة نورماندي 1950 ألماني الصنع، وبمجرد النظر إليه تذكرنا أول بثٍ إذاعي 1896 للعالم الإيطالي "ماركوني". فضلاً عن راديوهات أخرى دميمة الشكل، أنهكتها أخبار الحروب، فانبرت وحيدة وحزينة لا يواسيها سوى الغبار. أخبرنا صاحب المحل أنَّ الراديو العتيق الذي جلب انتباهنا هو من العراق ومن سوق مريدي بالذات، اشتراه شتاء العام 1996 من عراقي كان يروم الهجرة، مدّ يده صوب المذياع الألماني المتهالك وبحركة متمرسة من أصابعه تنفس المكان صوت الحناوي وهي تصدح "كان يا مكان الحب مالي بيتنا".