صدر مؤخراً عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر كتاب جديد للكاتب السوري إبراهيم اليوسف في ثلاثة أجزاء بعنوان “استراتيجية المثقف تكتيك السلطة”، وقد جاء الكتاب الأول بعنوان: هوية الكاتب وماهية الكتابة. والثاني بعنوان: ثنائية الخطاب والتزييف. والثالث بعنوان: معادلة المواجهة والسقوط. ويشير المؤلف إلى أن هناك جزءا آخر من الكتاب، ستتم طباعته
لاحقاً.
تستحق ثنائية “السياسي والثقافي” الكثير من الاهتمام، من قبل كل من يشتغل في الحقل المعرفي، لاسيما في أي فضاء تنعدم فيه العدالة وقيم المساواة والديمقراطية، وذلك لما للموقف بين طرفي العلاقة من تأثير على رؤى المثقف، ومصداقية مايقدمه من نتاج ثقافي، ليكون المثقف، هو منتج الثقافة في حقول الكتابة
والأدب والإبداع والمعرفة، وحتى الفنون بأنواعها، إذ أنّ هناك حدوداً كثيرة يمكن أن يضعها أي مثقف لنفسه، في ما يخص علاقته بالسياسي السلطوي، كما أن السياسي المتناول أحدهما مضطهِد، بكسر الهاء، والآخر مضطهَد، بفتحها، وقد يحتل موقع الأول، ويرثه، إن امتلك أدواته، مادمنا ضمن حدود ذلك الفضاء، مختل القوانين، والأنظمة؟.
ذلك السياسي التسلطي، ليس له إلا أن يتلمس الخاصرة الرخوة لسلطته، أمام صورة المثقف الحقيقي، مستشعراً الخطورة والهلع، مايدعوه للاستنفار، لطالما هو غير قادر أن يحقق وظيفته المثلى، أمام صورة المثقف، وقوة تأثير أدواته، وهو يمارس دوره النقدي، لذلك فإنّ من طبيعة هذا السلطوي
أن يكون معنياً بأمر ضرورة استمالة المثقف، أو احتوائه، وتبعيته، على نحو رسمي أو غير رسمي، وإن كان السياسي لايمكن له أن يعنى بالثقافي إلا إذا تنازل هذا الأخير له عن رسالته، وبدل موقعه من خانة الناقد إلى خانة
المبوِّق.
وما قد يقال، هنا، عن الفرد، يقال في الوقت ذاته، عن المؤسسة والمجتمع، إذ استطاع بعض هذه القيم أن يحصّن ذاته، إما عبر قوننته، أو عبر تشكيله التابوات التي لا يمكن اختراقها، في ظل رقابة الآخرين لما يتم في حدود الدوائر المتاحة، وهو ماله أثره المهم في حياة الناس، لاسيما عندما ترتبط بمصالحهم، وأمنهم، وحياتهم،
ومستقبلهم.
الأفكارالتي تم طرحها في هذا الكتاب يتم تناولها بجرأة، في التشخيص، بعكس بعض البحوث والدراسات السريعة أو حتى المتأنية منها التي تناولت حدث الثورة السورية، وراحت تميل إلى التعمية من خلال التغطية على سوءات بعض المثقفين. أي أنها معالجة تتناول الموضوع من خلال المزاج المتقلب نتيجة ظروف حالة الحرب، وبهذا فإنّ هذا الكتاب يثير من جديد حواراً مهماً بهذا الخصوص، قد نختلف خلاله مع مضمون ماجاء في هذه القراءات أو
نتفق معها.