قبل أنْ نبدأ بعرض موضوع النازحين وسبل التعامل مع هذا الملف لا بدَّ لنا من التأكيد بأنَّ وجود نازحين ومخيمات منتشرة في مناطق معينة من البلاد يعني وجود حالة غير طبيعية واستمرار وجودهم يعني استمرار الأزمة التي أدت الى نزوح أبناء البلد من مناطق سكناهم الأصلية الى مناطق أخرى اكثر أمنا .!!!
وكما نعلم إنَّ تعريف النازح واضحٌ وهو الشخص الذي ترك منزله مكرهاً لتفادي النزاع المسلح أو تفادى كارثة طبيعيَّة وبقاؤه كنازحٍ يعني بقاء الخطر الذي اضطره للرحيل !
ولقد أخذت قضية النازحين بعداً دولياً بعد احتلال داعش للمحافظات العراقيَّة الثلاث (نينوى وصلاح الدين والأنبار) وأجزاء من كركوك وديالى، إذ تجاوزت أعدادهم الخمسة ملايين نازح وبدأت المنظمات الدولية عرض مساعداتها على العراق بشكل واسع ولا ننسى أنَّ هذه المنظمات كانت موجودة قبل حزيران 2014 لوجود مخيمات للنازحين قبل هذا التاريخ ولأسباب تتعلق بالعنف الطائفي ولأسباب أخرى، إلا أنَّ الأمر أخذ بعداً أكبر بعد النزوح الجماعي للمواطنين خوفاً من داعش المنظمة الإرهابيَّة المعروفة بدمويتها وقتلها لكل من يخالفها وإن كان مسالماً !!!
وكانت الحكومة العراقية تسهل عمل المنظمات الدولية وتعاملت بكل شفافية مع هذا الملف وحاولت أنْ تتكامل معها ضماناً لعدم التقاطع وربما كان العراق البلد الوحيد الذي أعطى هذه المساحة من الحرية للأمم المتحدة لإنجاح خطتها في ما يتعلق بإغاثة النازحين.
ولقد وافقت الحكومة العراقية على مقترح الأمم المتحدة بإنشاء مركز التنسيق والرصد المشترك في بغداد يتعلق بالمركز وآخر في الإقليم لتسهيل حركة المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الأجنبية والعراقية، علما أنَّ العراق كان قد شكل لجنة عليا لإغاثة النازحين (تمتلك صلاحيات مجلس الوزراء) تم تشكيل هذه اللجنة بقرار من مجلس الوزراء ترأسها السيد صالح المطلك أثناء توليه منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة المالكي الأولى.
وقد نجح العراق والمنظمات الدولية في تفادي كارثة إنسانية أثناء احتلال داعش للمناطق التي ذكرناها وكذلك أثناء وبعد تحريرها من قبل القوات الأمنية العراقية ولم تسجل المنظمات الدولية وحتى منظمات حقوق الإنسان خسائر بشرية في صفوف النازحين، كما أنَّ الحكومة العراقية عالجت أي شكوى من قبل المنظمات الدولية لتفادي أي انتهاك لحقوق النازحين.
ولا بدَّ من الإشارة الى أنَّ العالم كله كان متخوفاً من خسائر بشرية كبيرة نتيجة أعمال التحرير ولأول مرة في مثل هذه الحروب التي يتمترس فيها الإرهابيون خلف المواطنين لم تسجل خسائر كبيرة.
وعند سؤال منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة آنذاك السيدة ليز كراندي عن المنافذ الآمنة لخروج المدنيين كانت إجابة الحكومة العراقية على لسان رئيس مركز التنسيق والرصد لها أي منطقة يخرج منها مواطنون عزل فستكون ممراً آمنا ولن يتعرضوا لإطلاق النار وكانت القوات الأمنية على درجة عالية من الوعي وضبط النفس ولم تسجل أي ضحية نتيجة إطلاق نار مباشر من قبل القوات الأمنية العراقية.
وبعد التحرير ومرور هذا الوقت الطويل لا بدَّ من إنهاء هذا الملف الذي يمثل حالة من اللا استقرار لمليونين ونصف (قد يقل هذا الرقم قليلاً) ويشكل حالة من الطوارئ لدى الحكومة في خططها من حيث الموازنة وكذلك للتخطيط والتعليم بمستوياته كافة.
فالبرغم من عودة ما يقارب نصف عدد النازحين الى منازلهم أو لنقول الى مناطقهم الأصلية حتى وصل الى الرقم الذي ذكرناه إلا أنه ما زال مشكلة كبرى أو بتعبير أدق أزمة لا بدَّ من إيجاد الطرق الناجعة لحلها لا سيما أنَّ الحكومة وضعت في حساباتها إنهاء هذا الملف بنهاية العام 2020.
ولإنهاء هذه الأزمة لا بدَّ من توفير مستلزمات الحياة الحرة بإعادة الاستقرار وإعادة الإعمار وكلا الملفين تعمل الحكومة والشركاء الدوليين الى إنهائه بأسرع وقتٍ ممكنٍ.
كما أننا نواجه ملفاً خطيراً يتمثل بالعائلات التي انتمى أفرادها لداعش أو تلك التي أيدت داعش، إذ إن الحكومة العراقية ما زالت تحميهم خوفاً من الانتقام العشائري وحفاظاً على السلم الأهلي.
وعلينا أن نأخذ برأي الأجهزة الأمنية التي تملك الآن خبرة كبيرة في ما يسمى بـ”الخلايا النائمة للإرهاب”، إذ تستغل داعش هذه العائلات لإيجاد موطئ قدم لها مستقبلاً.
وبما أنَّ داعش كمنظمة إرهابية تستند على عقيدة وفكر (وإنْ كان منحرفاً) إلا أنه فكرٌ لا يمكن تنقية المجتمع منه دون إيجاد حلول آنية وستراتيجية (ربما نناقشها في ما بعد).
إنهاء ملف النازحين لا يتعلق بالعراق وحده، وإنما مسؤولية العالم أجمع، فكما أننا قاتلنا نيابة عن العالم لا بدَّ للعالم من تحمل مسؤوليته أيضاً بعد، لأن الحرب على الإرهاب لا تنتهي بانتهاء المعارك العسكرية أو المواجهات المسلحة، وإنما بمعالجة جذور المشكلة وآثارها ولهذا أقول إنها مشكلة عالمية أيضاً.
لا ينبغي للمجتمع الدولي التخلي عن مسؤولياته بحجة ووهم الانتصار على داعش عسكرياً لأنَّ هذا التنظيم ما زال موجوداً ويتحين الفرصة لضرب المجتمع العراقي والدولي من جديد، وإنَّ الإسراع لا التسرع في إنهاء ملف النازحين بطريقة العودة الطويقة وبتشجيع من قبل الحكومة والمنظمات الدولية (التي قد يرغب بعضها باستمرار الأزمة لبقاء عملهم) ربما يمثل حلاً لتقويض داعش في الفترة
المقبلة.