ربما تمثل قمة بغداد لبرلمانات الجوار الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل للتأسيس لعلاقات إيجابيَّة بين أطراف مختلفة تتفقُ على ضرورة تشكيل منظومة إقليميَّة تعتمدُ مبدأ التكامل الاقتصادي والأمني والاجتماعي وتستندُ على حقيقة مهمة وهي إنَّ أمن المنطقة مسؤولية الجميع. ويرى البعض أنَّ فشل المؤتمرات الموسعة كمؤتمرات القمة العربية أو الإفريقية أو الخليجيَّة جعل البعض يبحث عن الحلول في مؤتمرات ثنائيَّة وثلاثيَّة أو على مستوى دول الجوار مع العراق كما يحدث اليوم. حيث نجد أنَّ البوصلة التي تحرك سياسات الدول هي مصالحها ولقد شعرت دول الجوار بأنَّ عدم الاستقرار في العراق يهدد أمنها واستقرارها وهذا يجعل الجميع أمام مسؤولية التوافق ومحاولة الانطلاق بصفحة جديدة في العلاقات الخارجية بين دول المنطقة.
ويمكن للمتابع للوضع العراقي أنْ يدرك أنَّ علاقة الحكومات العراقية التي جاءت بعد سقوط النظام الشمولي بعد 2003 كانت تمر بفتورٍ كبيرٍ مع بعض دول المنطقة، لا سيما العربية منها وذلك لوجود نظرة ضيقة من قبل بعض الأنظمة للتجربة العراقيَّة على أنها تجربة ديمقراطية قاصرة لا يمكن لها أنْ تنجح في المنطقة.
لذلك كان لا بدَّ من موقف وحراك سياسي في اتجاه إعادة هذه العلاقات مع جميع الدول من أجل تحقيق المصلحة العراقية أولاً ومصالح تلك الدول، وبالفعل كانت هناك زيارات متعددة من قبل القادة العراقيين الى مختلف الدول حاولوا من خلالها إرسال رسائل طمأنة للجميع بأنَّ العراق بعيدٌ عن صراع المحاور وانه يحاول مد يده للجميع ولقد نجح رجال السياسة في العراق من خلال تلك الزيارات في توضيح الصورة وإزالة الضباب الذي يحاول البعض أنْ يجعله في عيون الناظرين صوب العراق. ولقد استند نجاح العراق في إعادة العلاقات مع محيطه على أسس متينة من العمل على تحقيق جوانب عديدة منها القضاء على الإرهاب أولاً وتحقيق الاستقرار والقضاء على الفتنة الطائفيَّة التي كانت مصدر قلق لأطراف عديدة وكانت تقف عائقاً في طريق تحقيق الأمن الذي ساعد العراق على البدء في الملف الاقتصادي، إذ دعا العراق من خلاله الدول المجاورة وشجع شركاتها الاستثمارية للقدوم الى العراق والاشتراك في حملة إعادة اعماره الأمر الذي يساعد على تطوير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدان.
وأخيراً عادت بغداد قبلة العالم وعاد الدور العراقي القيادي في المنطقة بعد أنْ اكتشف الجميع أنَّ العراق عنصرٌ اقتصاديٌ فعال وأنَّ من مصلحة الدول المتنافسة الاشتراك في الفرص الاستثمارية التي يوفرها لهم هذا البلد. ولا بدَّ من الإشارة هنا الى نقطة مهمة للغاية وهي إنَّ العراق بحاجة كبيرة الى نهضة اقتصاديَّة شاملة بمساعدة دول خارجيَّة عبر تفعيل الاستثمار وهذا لن يحدث دون قرارات حكومية جريئة تحارب الفساد والفاسدين وتتجاوز البيروقراطية التي كانت وما زالت عائقاً أمام الإصلاح الاقتصادي طيلة السنوات السابقة.