محمد صالح صدقيان
قبل ايام مرت الذكری الخامسة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الذي تم بين ايران والمجموعة الغربية المتشكلة من الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا وروسيا والصين. الرئيس دونالد ترامب الذي انسحب في 8 مايو/ مايس عام 2018 من هذا الاتفاق قال كلمته إنه "وفی بعهده"، وكان معلوما الی من كان يريد ايصال رسالته لانه اعطی وعدا لللوبي اليهودي "الايباك".
الذي يرعی المصالح الاسرائيلية داخل الولايات المتحدة بالقضاء علی الاتفاق النووي في حال فوزه بالانتخابات الأمريكية الرئاسية عام 2016.
الرجل وعد بما تعهد به؛ وكان نية مناصريه ليس الاكتفاء بالانسحاب وانما انهيار هذا الاتفاق، الذي كان يری فيه الكيان الاسرائيلي بأنه يهدد أمنه القومي، وأنه لا يطمح بأقل من تفكيك البرنامج النووي الايراني علی خلفية قاعدة "التفوق العلمي والتقني"، الذي يؤمن به مقابل جميع دول المنطقة.
في تشرين أول/ اكتوبر من العام 2014 كانت لي كلمة امام مؤتمر عقد في باريس برعاية مركز دراسات قريب من إحدی الدول الخليجية؛ قلت بفم ملآن إن جميع المؤشرات تشير إلی قرب توصل ايران مع المجموعة الغربية لاتفاق؛ لأن الجانبين عازمين علی تحقيق انجاز بشان البرنامج النووي الايراني، خصوصا أن سلطان عمان الراحل السلطان قابوس كان قد حمل رسالة من الرئيس الامريكي آنذاك باراك أوباما للمرشد الايراني الاعلی الامام الخامنئي، يعلن فيها عن رغبته بفتح صفحة جديدة مع ايران تستند إلی الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام ثوابت الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وطالبت وتمنيت حينها من منصة المؤتمر كافة الدول الاقليمية وتحديدا الخليجية منها الانسجام مع الاتفاق وعدم معارضته، لأن ذلك يصب بمصلحتها وبمصلحة الأمن الإقليمي.
لكن الاسف لم يحدث ذلك وانما وقفت هذه الدول مع خيار انهيار الاتفاق لاسباب؛ المعلن منها؛ أنها لم تشارك في صياغة الاتفاق النووي!.
لا اريد أن أقيّم الموقف الخليجي وتحديدا السعودي حيال الاتفاق النووي، لان ذلك يدخل في الاعتبارات، التي تهمها والقراءة التي تقرأها للأمن الاقليمي ولأمنها القومي؛ لكن السؤال، الذي يطرح ونحن تجاوزنا الذكری الخامسة للانسحاب الامريكي من الاتفاق المذكور، الذي تم التوقيع عليه في يوليو/ تموز 2015.
ما الذي تحقق:
أولا؛ للدول الاقليمية؟
ثانيا؛ وماذا جنت الدول الغربية من تلك الخطوة؟
ثالثا؛ وماهي خسارة ايران؟
قبل الاجابة علی هذه الاسئلة التي لاتبدو الاجابة مريحة لجميع الأطراف؛ فإن ايران عملت علی عكس ما ارادته الولايات المتحدة ومعها اللوبي اليهودي "ايباك" وبعض الدول الاقليمية وبعض المعارضين في الداخل الايراني علی صمود الاتفاق النووي بعدما أيقنت الدول الاوربية وتحديدا فرنسا والمانيا أن انهيار الاتفاق لا يصب بمصالحها، لأنه يعرض الأمن الاقليمي والمصالح الغربية في المنطقة للخطر، ولذلك وعدت ايران في حال بقائها في الاتفاق تفعيل آلية "اينستكس"، للتعامل التجاري والاقتصادي.
لم يتم ذلك بسبب رضوخ الدول الاوربية لضغوط واشنطن، لكن ايران عملت مع الدول الغربية علی صمود الاتفاق باعتباره اتفاقًا جماعيًا رعاه مجلس الامن الدولي بالقرار 2231، وهو في نهاية المطاف ليس اتفاقًا ثنائيا بين إيران والولايات المتحدة.
الان وبعد خمس سنوات.. ما الذي حدث ؟
ايران بعد يوليو/ تموز 2015 خفضت نسبة تخصيب اليورانيوم إلی 3.67 بالمئة.
وبعد 8 مايو / مايس 2018 حصلت ايران علی يورانيوم بنسبة 20 بالمئة، واليوم هي تملك كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة وحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنها عثرت علی يورانيوم بنقاء 83.7 بالمئة؛ وتقول إن نسبة 90 بالمئة لم تكن بعيدة عن اليد الايرانية! إضافة الی ذلك فان طهران تملك كمية من اليورانيوم ذات نقاء 60 بالمئة تصل الی 62.3 كيلوغرام حسب تقديرات الوكالة الدولية، في حين نص الاتفاق النووي علی عدم تجاوز امتلاك ايران علی 2.2 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 بالمئة!.
لا اريد الدخول في جدلية رغبة ايران بامتلك السلاح النووي من عدمه؛ ولماذا وصلت الی تخصيب نسبة 60 بالمئة، لكن الواضح أن القدرة النووية الايرانية في أيار/ مايس 2023 هي اقوی بكثير من قدرتها في أيار/ مايس 2018.
ويبدو واضحا ايضا مدی خسارة الجانب الامريكي والاسرائيلي، تحديدا من تجميد العمل بالاتفاق النووي لأن الهدف النهائي من هذا الاتفاق "أمريكيا" كان ضبط الطموحات الايرانية النووية، الذي لم يتحقق بسبب انسحاب واشنطن من هذا الاتفاق، الذي كان ممكن تحقيقه في ظل الاتفاق النووي.
في ما يخص الوضع الأمني إقليميا فإنه لم يتحسن وأن مرحلة ما بعد ايار/ مايس 2018 أسوأ بكثير من قبلها "دون الدخول في التفاصيل"، بل العكس من ذلك عاشت المنطقة المزيد من التوتر والازمات ولم تسهم خطوة الانسحاب من الاتفاق علی تعزيز الأمن المنشود في المنطقة.
تبقی إيران التي تحملت العقوبات مرة أخری بعد العام 2018 استطاعت الالتفاف علی تلك العقوبات "وإن بصعوبة"، لتجد نفسها في مسارات جديدة بعد مرحلة "جائحة كورونا" ومرحلة ما بعد "حرب أوكرانيا".
لا اريد هنا تقييم السياسة الامريكية الشرق أوسطية.
فهي باختصار شديد "غير موفقة" "فاشلة" شرق أوسطيا.
وهي في ولاية الرئيس جو بايدن "ضعيفة" "مترددة" "مأزومة" لا هي تدري ماذا تريد ؟
ولا الآخرون يعروفون ماذا تريد؟.
ويعتقد خبراء أن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووي يجب أن تكون تجربة ثرية للسياسة الأمريكية ودول الاقليم، من أجل كسب الوقت والمال والجهد لمنطقة أكثر أمانا وأكثر استقرارا بعيدا عن الأطماع الاسرائيلية، التي تتربص بالمنطقة الدوائر.