فجوات النوع السياسي إلى أين؟

آراء 2023/05/15
...

    د.عبدالواحد مشعل

انشغلت الأوساط العلمية في الألفية الثالثة بقضية الجندر، وبتفاوت النوع السياسي في المجتمع العراقي على وجه الخصوص، جاء ذلك في خضم تحولات الزمن الأخير من قيام الدولة العراقية حتى المرحلة الحالية، و ما مدى تقبل الأوساط السياسية النخبوية والشعبية لموقع المرأة العراقية في العمل السياسي، وصنع القرار في دولة حديثة تجاوز عمرها قرنا من الزمن.

ومع تزايد الدعوة إلى قيام الدولة المدنية التي يتساوى فيها الجميع، وتكون للمرأة مكانة مرموقة في العمل السياسي،  سواء في الأحزاب السياسية أم في اجواء ثقافية تتداخل فيها القيم والعادات والتقاليد والأنماط الثقافية للسلوك، وبالمقابل ما يستجد أمامها من تحولات ثقافية وانجازات تكنولوجية في العالم، وضعت المسألة امام تحديات تهدد في مضمونها الثقافي الغاطس من الثراث المحلي، حتى عاشت صراعها الظاهر أو المستتر مع الحداثة وأنماطها التجديدية، وانعكاس ذلك على ما يعيشه المجتمع من تفاوت النوع السياسي سواء في المجتمع أم في 

الدولة. 

واذا كانت اشكالية تفاوت النوع السياسي تبدأ من الأسرة إلى المجتمعات المحلية التي يتفاوت فيها البناء الثقافي، فإن ذلك يعود إلى الجذر الثقافي (ريفي - حضري) ما يجعل الأمر يرتقي عند المؤيدين لمحاربة ذلك التفتوت، على التركيز على مهارات المرأة العراقية وقدرتها على المشاركة العضوية في العمل السياسي، ابتداء من القرارات الاسرية والمجتمعية إلى مفاصل الدولة المختلفة، لا سيما ان دولة العراق من بين دول المشرق العربي، السباقه في دخول عصر الحداثة بشروطها الثقافية والاجتماعية، التي اصطدمت بجذور تراثية الفرد القبلية والشعبية الحضرية، ما جعل تلك التراثية تعيش صراعها مع الحداثة، ليتكون قضية المساواة بين المرأة والرجل في العمل السياسي متوقفة على نتائج هذا الصراع، وما ينتابه من تذبذب تعيشه النخب السياسية ذات الامتداد القبلي أو الشعبي الحضري، من إشكالية ازدواجية بين القبول والرفض، فتظهر في شكله المعلن بالرضا عن تقدير المساوة بين الرجل والمرأة في النشاط السياسي على العكس، الذي تميز به البعد الموضوعي بعدم الرضا.

وفي هذا السياق يمكن التميز بين هذين النمطين (الشكلي والموضوعي)، فالأول تظمنته أدبياته دعوات نظرية عن اهمية المشاركة النسوية في العمل السياسي، على نطاق واسع، إلا أنها جاءت بصيغتها النظرية التجريدية، منطلقة من المثالية الثقافية، الذي تميز به التوجه الانثروبولوجي والاجتماعي والأدبيات السياسية الداعية إلى المشاركة النسوية بالعمل السياسي، حتى أنها ظهرت وكأنها متوافقة مع ما تطرحه الاتفافيات الدولية الحديثة في مناصرتها لقضية المرأة ومحاربة التميز ضدها، والتي أخذت جانبا مهما من اهتمام الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع والسياسة كصيغة، مثالية طرحت بوقت مبكر، أما النمط الثاني.

الموضوعي فهو يرجع إلى الجذر الثقافي للمجتمع، بمدياته ومعطياته الميدانية الكاشفة عن تأثير الغاطس من الثقافة المجتمعية الرافضة، أو المتحفظة على المساواة بين الرجال والنساء في العمل السياسي، سواء على صعيد الجوانب الرسمية أم على الجوانب غير الرسمية، كما يظهر ذلك ايضا في التنظيمات والأحزاب السياسية، ومؤسسات الدولة الحيوية والتي تستهجن المشاركة النسوية في البرلمان والمؤسسات القضائية، أو من خلال المشاركة النسوية في العمل الوظيفي بالدولة.

واذا اردنا تفسير الدلالات الثقافية كمرجعية للعمل السياسي في المجتمع العراقي في تحولات الزمن الاخير وما بات يشكل ضرورة علمية تستحق التقصي عن مسالة تفاوت النوع السياسي، وفهم دلالاته الشكلية والموضوعية الكامنة في بنية الثقافية 

العراقية. 

وما يعطي للغاطس أو الكامن أهميته البحثية، وبعيدا عن الاطروحات المثالية التي ترفع شعار المساواة، سواء من احزاب فاعلة على الساحة السياسية، أام من أوساط شعبية،فالامر كله متعلق بطرح السؤال الجوهري التالي: النوع السياسي إلى اين؟

وسط تناقضات سياسية، وثقافية باتت تحكم السلوك في هذا الاتجاه.