تتمثل أولى مهام الحكومات في العالم بتوفير المأكل والمأوى للسكان على اختلاف اعتناقاتهم المذهبية ومستوى نضوجهم الفكري ومهاراتهم واشكالهم والوانهم. فلا يمكن ان تمارس الحكومة دورها الاقتصادي وهي لم تحقق المهمة أعلاه، اذ يعد توفير المأكل والمأوى للسكان ضرورة إنسانية تفرضها النزعة البشرية للتواجد
في أي مكان في العالم. وان هذه الوظيفة تغرس ثقافة الانتماء الوطني للسكان والشعور بالمسؤولية من اجل الحفاظ على ممتلكات البلاد من العبث والإساءة والهدر والضياع، لذا نجد اغلب الحكومات في العالم الرأسمالي تشدد وبقوة على هذه الوظيفة فضلا عن دعمها وتطويرها لتشمل توفير الامن الغذائي لسكانها وتقديم السكن بالتقسيط بما يلائم محدودي الدخل والطبقات الفقيرة في المجتمع، فضلا عن التسهيلات الخاصة في مجال الصحة
والتعليم.
ان هكذا توجه انما يضع افراد المجتمع بكافة طبقاته ضمن حيز المسؤولية الاجتماعية ويحميه قدر الإمكان من التشرد والضياع وارتفاع معدلات الفقر وتفشي الجريمة والمشاكل الاجتماعية الأخرى والفساد.
زد على ذلك المتابعة الدقيقة لكافة شرائح المجتمع واحتواء مشاكله الاقتصادية من خلال تهيئة فرص العمل وتقديم مجموعة من الخدمات الاجتماعية الحقيقية لهم من اجل معالجة مشاكل المجتمع بشكل آني بما يحاكي الواقع والمستجدات التي تطفو بين الحين والآخر بفعل اندماج المجتمعات في عالم اليوم.
عانى وما زال سوق الإسكان في العراق من اهمال واضح من قبل الحكومات التي تعاقبت منذ زمن.
فاذا نجحت مساعي تلك الحكومات في توفير الغذاء والدواء من دون تحقيق الامن الغذائي على مدى عقود من الزمن، فهي لم تنجح في توفير السكن المناسب للسكان والدليل لم تتبن أي حكومة لحد الان استراتيجية خاصة بالإسكان ومن ثم فان معدل نمو الوحدات السكنية ضعيف جداً مقابل نمو عال في السكان، مما تسبب بنشوء فجوة اسكانية اخذت بالاتساع عبر الزمن مسببة بذلك تفشي العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ذات
العلاقة بالظاهرة.
كما ما زال فائض الطلب المحلي للوحدات السكنية يقلق المستقبل في ظل محاولات خجولة في جانب العرض المحلي للإسكان مثل انشاء مدينة بسماية وبعض المجمعات الاسكانية المنتشرة في عموم محافظة بغداد. فهي ما زالت دون مستوى الطموح ولا تلبي حاجات الافراد في توفير السكن
اللائق لهم.
كما ان دعم هذا القطاع من الممكن في شأنه إنعاش سوق الصناعة الانشائية والقضاء على البطالة التي اخذت بالارتفاع بسبب ضعف ومحدودية عجلة الناتج في الاقتصاد العراقي.
في ظل تردي وضع سوق الإسكان في العراق الذي تسبب بارتفاع كبير في أسعار الوحدات السكنية على إثر ارتفاع الطلب وانحسار العرض في هذا السوق، تظهر بين الحين والآخر دعوات تنادي بضرورة ان يتحلى الافراد بروح المواطنة والشعور بالمسؤولية والانتماء المجتمعي، فعلى الرغم من أهمية هذا الشعور والانتماء في بناء الأوطان لكنه يحتاج الى عوامل تدفع بتحقيقه، وان القضاء على مشكلة الإسكان هو أحد اهم تلك العوامل التي تغرس حب الوطن والانغماس في بناء
المجتمعات.