فيلم The Wonder: {نحن لا شيء من دون قصص}

ثقافة 2023/05/15
...

 عفاف مطر

فيلم The Wonder انتاج 2022 وموجود على منصة Netflix الفيلم من إخراج Sebastian Lelio وبطولة Florence Pugh و Kíla Lord Cassidy الفيلم تأليف Emma Donoghue ومبني على رواية للكاتبة نفسها بالعنوان نفسه. قصة الفيلم تحكي عن ممرضة انجليزية تأتي من بريطانيا الى قرية بعيدة في ايرلندا بهدف الإشراف على حالة فتاة لم تأكل منذ مدة طويلة وعدها الناس معجزة.

تقف هذه الممرضة أمام لجنة مكونة من رجال علم ورجال دين وصحافي وكل واحد منهم يحاول اثبات وجهة نظره بينما يسعى الصحافي الى الوصول الى الحقيقة، ومسؤولية الممرضة هي استكشاف حقيقة هذه الفتاة المعجزة كما كان يسميها أهل القرية. طريقة السرد في هذا الفيلم هي القصة داخل القصة، والقصة الثانية أهم وأطول من الأولى، وعمد المخرج الى كسر الجدار الرابع أكثر من مرة حيث نرى الخادمة وهي تنظر للجمهور عبر الكاميرا وتقول " نحن لا شيء من دون قصص". يبدأ الفيلم بلقطات لاستوديو داخلي والراوي يتحدث عن أهمية القصص في حياة الناس واخلاصهم لقصصهم، ثم يأتي على المجاعة التي اجتاحت ايرلندا وكيف أن بريطانيا هي المسؤولة عن هذه المجاعة ثم نرى رحلة الممرضة التي تجسّد دورها الممثلة Florence Pugh وهي تستقل عربة تجرها الخيول الى قرية الفتاة المعجزة وتعطيها اللجنة مهلة أسبوعين هي وإحدى الراهبات لاستكشاف حقيقة الفتاة المعجزة وسر عدم أكلها لمدة طويلة (عدة سنوات) وبقاؤها على قيد الحياة. حين يتم سؤال الفتاة كيف بقيت على قيد الحياة من دون أكل تجيبهم بأنها تعتمد على أكل المن من السماء أو ما يسمى بالكتاب المقدس بالـ Manna وفي القرآن جاء ذكره مع السلوى. الكاتبة استلهمت فكرة الرواية من ظاهرة حقيقية يطلق عليها Fasting girl أي الفتاة الصائمة، وهذه الظاهرة كانت منتشرة بين الفتيات المراهقات اللاتي ادعين بأنهن قادرات على البقاء على قيد الحياة فترات طويلة من دون طعام وكانت معروفة ومنتشرة في أواخر القرن التاسع عشر، وكان الصدام بين العلم ورجال الدين في كل حالة؛ كان رجال العلم ينسبون الموضوع الى مرض فقدان الشهية بينما رجال الدين يعدونها معجزة من السماء، وكانت أشهرهن Sarah Jacob التي ادعت أنها لم تتناول الطعام منذ كانت في العاشرة وغيرها كثر الى أن تم اكتشاف أن تلك الفتيات اعتمدن الحيلة والنصب لخداع الناس. تصوير الفيلم كان مميزا جدا وتحت ادارة المصورة Ari Wegner التي ترشحت للأوسكار عن فيلم The Power of The Dog  نرى في بداية الفيلم كيف أن منزل الفتاة أصبح مزارا لأهل القرية البسطاء والقرى المجاورة المصدقين بأن الفتاة معجزة لدرجة أنهم يضعون أموالهم في صندوق داخل البيت يتربح منه أهلها. ثم نرى الممرضة وهي تشعر بالشك بحقيقة أنها معجزة، ونرى الصراع داخلها بين العلم كممرضة درست الطب والايمان كإنسانة عادية. مع متابعة الفيلم لا يعرف المشاهد أن كانت القصة قد اختلقتها الفتاة أم من تدبير أسرتها الفقيرة لغرض الاحتيال على الناس البسيطة وكسب الأموال؟ ايضا نرى في الفيلم قصة الممرضة وفجيعتها بفقدان ابنها في الحرب فنراها حينا تؤذي نفسها بالأبر وأحيانا نراها تتعاطى المسكنات لتجاوز شعورها بالألم وذكرياتها الحزينة كما نراها أيضا وهي تحاول جاهدة مدفوعة بمشاعر الأمومة لإنقاذ هذه الطفلة من الموت. فضلا عن الصراع بين العلم والدين يتطرق أيضا لبعض الجوانب السياسية عبر ذكر الازمات السياسية بين ايرلندا وبريطانيا على لسان الشخصيات. نكتشف عبر الحوارات والمشاهد التي تجمع الفتاة بالممرضة أن الفتاة كان لديها أخ قد توفي وهو صغير وتعتقد الفتاة أن اخيها في الجحيم فتستغرب الممرضة من هذه الفكرة لأنه مجرد طفل، الى أن تعرف السبب وهو أنه كان هناك علاقة زنا (سفاح محارم) بين الأخ وأخته وحين يكتشف الوالدان هذه العلاقة يقنعان الفتاة بان مصير اخيها الجحيم المؤبد، لهذا تتألم الفتاة نفسيا بسبب أخيها ورغبتها في تخليصه من عذابه، لهذا عليها أن تضحي لهذا الغرض وتنفيذا لرغبة والدتها التي تصر أن يدخل ولديها الجنة وهذا لا يتم الا عن طريق تجويعها حتى التطهر بالموت. لهذا ولأجل انقاذ الطفلة تقرر الممرضة ابعاد كل أفراد اسرتها عنها حتى تكتشف سرها، فتعرف أن الام كانت تأتي كل ليلة وتضع الطعام الممضوغ داخل فمها الى داخل فم ابنتها حتى تبقى أطول فترة ممكنة على قيد الحياة، لكن حين قررت الممرضة ابعاد أفراد الاسرة عنها ساءت حالة الطفلة واوشكت على الوفاة، فتضطر الممرضة الى اعلام اللجنة بالحقيقة لكن اللجنة رفضت الاستماع اليها، مما يضطرها بعد ذلك الى اقناع الفتاة بأنها ستموت حين تنام وقد تطهرت من كل الخطايا وفي الصباح ستخلق فتاة جديدة ومن ثم تستطيع أن تعيش وتأكل كأي فتاة طبيعية، واقتنعت الفتاة بذلك فتخطف الممرضة الفتاة وتشعل النيران بالمنزل بعد أن يئست من اقناع رجال الدين بأن الفتاة ليست معجزة أو قديسة وستموت لو تركت لأسرتها، فيعتقد الجميع أن الفتاة ماتت في الحريق لكن الحقيقة أنها ذهبت مع الممرضة والصحافي الى بلدة بعيدة وينتهي الفيلم مرة أخرى بكسر الجدار الرابع ونرى الممرضة والصحفي والفتاة وهم يأكلون الطعام داخل استوديو. الفيلم يستحق المشاهدة نجد فيه روعة دراميّة وفكريّة وبصريّة ثريّة جدا.