الألمان قلقون بعد سلسلة جرائم ارتكبها لاجئون

بانوراما 2019/04/21
...

ماثيو كارنيتشنغ ترجمة: شيماء ميران
 
 
 
 
هل ستنجو ألمانيا من الإسلام؟ 
يتردد هذا السؤال في الخطاب العام الالماني مرة اخرى وسط الاحتجاجات العنيفة التي اعقبت جريمة قتل وحشية راح ضحيتها رجل ألماني على يد شخصين لاجئين مسلمين، وتزامنت مع نشر كتاب جديد بعنوان (الاستحواذ، كيف يعطل الاسلام التقدم ويهدد المجتمع).
وتقول الشرطة ان نحو 11 ألف شخص من تياري اليمين واليمين المتطرف ومعارضي النازية تظاهروا في شوارع مدينة كيمنتس شرق المانيا (موقع جريمة القتل)، وجرح في هذه التظاهرات 18 شخصاً من بينهم مراسل تلفزيوني رُمي به الى اسفل سلم.
 لا جديد في هذا النوع من المصادمات، ولا حتى فيما يتعلق بالنقاش حول الإسلام، لكن ما كشفه الحدث مؤخراً هو درجة استمرار تدفق اللاجئين منذ العام 2015 وهيمنتهم على سياسة البلاد، وتأجيج الدعم لحزب البديل اليميني الالماني المتطرف (AFD)، وأشارت صور انتشار النازيين الجدد وسط مدينة كيمنتس الى ان الحكومة الالمانية فشلت فشلاً ذريعاً في السيطرة على اليمين المتطرف والمتشدد رغم عقود من المحاولة.
 
الازدهار الالماني
وعلى المانيا ان تحتفل بعصرها الذهبي وبجميع الأصعدة، فنسبة البطالة فيها تعتبر الاوطأ منذ توحدها وسط نشاط النمو الاقتصادي، اما مقدار الدين العام لديها فيتجه نحو الانخفاض الى اقل من ستين بالمئة من انتاجها المحلي لهذا العام، ما يعني ان برلين ستحقق معايير معاهدة ماستريخت (الاتفاقية المؤسسة للاتحاد الأوروبي) لأول مرة منذ عشرين عاماً.
ورغم الازدهار الالماني المتنامي إلا ان مجتمعها ثائر بسبب الآثار السلبية لقبول اكثر من مليون طلب لجوء منذ التخبط الذي حصل عام 2015، وكانت مجلة دير شبيغل الاسبوعية قد تساءلت على غلاف احدى طبعاتها “من ينبغي ان نسمح له بالدخول؟”، كما كرست المجلة طبعة اخرى لولاية ساكسونيا الالمانية حيث يحدث العنف وكتبت على غلافها “متى ينتزع اليمين
 السلطة”.
المصرفي السابق في البنك المركزي الالماني تيلو سارازين والمحرض الذي كتب كتاب (الاستحواذ) استغل القلق الالماني بشأن تدفق اللاجئين بتوقعه الحاد لما سيحدث لاحقاً، ويرى سارازين، الذي يصف الإسلام بأنه “ايديولوجية العنف المتنكر بالدين”، انه إذا لم تتخذ أوروبا إجراءً سريعاً لوقف هجرة المسلمين إلى الاتحاد الأوروبي، فإن المجتمع الأوروبي في نهاية المطاف سيلفه الإسلام ويدمره. ويشار الى ان هذا الكتاب تصدر لائحة الكتب الاكثر مبيعاً في موقع امازون الألماني عندما نشر لأول مرة.
في هذه الاثناء انتقلت المؤسسة السياسية الالمانية الى موجات الاثير بشكل  افضل ما يمكن ان نصفه بانه طقوس البحث عن الهوية.
وقال وزير الدولة في وزارة الداخلية ماركو واندرويتز من على قناة التلفزة الالمانية العامة: “منذ فترة طويلة جداً، لم ندرك ابعاد المشكلة او لم نكن نرغب بذلك”، مع ان واندرويتز كان يشير الى اندلاع اعمال عنف التيار اليميني، والحقيقة ان الكثيرين في البلاد قد يحثون على الشيء نفسه على خلفية تعامل الحكومة مع قضية 
اللاجئين.
 
تصريح الاقامة المتسامحة
وبينما لا تزال المانيا بلداً آمناً جداً حسب المعايير الدولية، إلا انه يوجد فيها الكثير من جرائم القتل في عموم المانيا والتي بلغت خلال العام الماضي 731 جريمة كما هو الحال في شيكاغو، وما يثير قلق الشعب الالماني ان عدداً كبيراً من الجرائم العنيفة ارتكبها لاجئون.
ففي حزيران من العام الماضي، وقعت جريمة اغتصاب وقتل لمراهقة تبلغ من العمر 14 عاماً وأثارت سخط المجتمع، ويقال أن مرتكبها طالب لجوء عراقي. واعقبتها جريمة طعن قاتلة لمراهق عمره 15 سنة حدثت في وضح النهار داخل احد مذاخر الدواء جنوب غرب المانيا، وكان القاتل المشتبه به افغانياً.
وتقول الاحصائيات الرسمية ان نحو 15 بالمئة من جرائم القتل في المانيا خلال العام الماضي كانت بيد اللاجئين، رغم ان نسبتهم لا تشكل إلا اثنين بالمئة من السكان. 
ان الكثير من المشتبه بهم ومن ضمنهم العراقي الذي اتهم بطعن الضحية في كيمنتس، والإرهابي الذي قاد سيارته تجاه سوق عيد الميلاد وسط برلين عام 2016، جميعهم يتمتعون بوضع هجرة قانوني يصنف بـكلمة (Duldung) أو تصريح الاقامة المتسامحة، التي تعني ان الحكومة تسمح ببقاء الشخص في المانيا رغم رفض طلبه باللجوء الفردي، والكثير منهم يبحثون عن عمل، ومن بين أسباب قرارات الرفض هو عدم وجود جوازات سفر وهذا ما يصعّب تأكيد جنسية 
المهاجر. 
وهناك نحو 170 ألف مهاجر يتمتعون بتصريح الاقامة المتسامحة في المانيا، ويوجد 350 ألف مقيم بلا تصريح هجرة رسمي، والعديد منهم ينتظرون صدور قرار المحكمة بشأن تقديم طلب 
اللجوء.
يقول المنتقدون ان وجود الكثير من المهاجرين بدون حق قانوني للبقاء في البلاد يدل على ان نظام اللجوء الالماني مجرد خدعة، وينوه السجل بأن رفض طلب اللجوء لا يعني إلا تأخيراً بسيطاً في سعي المهاجر للحصول على تصريح هجرة قانوني في المانيا، التي تضم الآن 233 ألف مهاجر رُفضت طلبات لجوئهم، فيما يتمتع 60 ألف منهم بتصريح الاقامة المتسامحة.
 
ذرائع لصدّ الهجرة
وقد تجنبت حكومة انغيلا ميركل مناقشة هكذا مواضيع علانية، لعدم وجود اجابات سهلة 
عنها.
وحسب نظام ألمانيا الفيدرالي فان جميع ولاياتها (16 ولاية) مسؤولة عن ترحيل المهاجرين، حيث قاموا بترحيل نحو 24 ألف مهاجر خلال العام الماضي وهذا اقل بكثير من العدد المحتمل، وتكمن المشكلة برفض المهاجر مغادرة البلاد لأن تكلفة طرده قد تكون باهظة بسبب الضمانات الامنية الاضافية.  موضوع الجريمة التي يرتكبها اللاجئ هي بمثابة هدية مقدمة لحزب البديل الألماني، وباقتراب حزب المستشارة ميركل المسيحي الديمقراطي من التقدم بانتخابات ولاية ساكسوني، إلا ان ارقام الاستطلاع تزداد بقوة لصالح حزب البديل في النصف الشرقي من البلاد. 
ويحاول السياسيون نبذ ذلك الترسخ بوصفه ظاهرة شرقية نتيجة لفشل المنطقة في مواجهة ماضيها النازي بعد الحرب، ويشيرون الى التاريخ الطويل للعنف ضد المهاجرين
، والذي تضمن اضرام النار داخل ملجأ للاجئين في روستوك عام 1992، وكذلك متعة القتل التي مارستها مجموعة سرية من النازيين الجدد والتي قتلت عشرة اشخاص. 
 حين ان هناك ما يدفع لهذه الجدالات، كان الصدى  الذي لاقاه كتاب زاراتسين الاخير يلمح الى القلق حيال انتشار اللاجئين وتجاوزهم حدود المانيا الشرقية 
السابقة. ووسط هجمات النازيين الجدد في كيمنتس، نجح ائتلاف ميركل بتوجيه دفة النقاش بعيداً عن عنف اللاجئين نحو خطورة احزاب اليمين المتطرف، والى الان لم يظهر خلال الاشهر القليلة الماضية اي مؤشر، فهذا التكتيك لن يدوم
 طويلاً.