العراق وفرنسا وتبادل الخبرات

آراء 2023/05/16
...

 وليد خالد الزيدي 


معرفة الماضي وفهمه هو ما يمكن كل متابع لتاريخ علاقات العراق بفرنسا عبر التحليل والمناقشة، من تحديد هوية وصور موقع تلك الصلات في الوقت الحاضر والاستعداد لمصير، لا شكّ أنه مشترك بين شعبي البلدين الذي على اساسه تنبثق الروابط السياسية بينهما، وهذا ما تجلى مؤخرا برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لمذكرة تفاهم وقعت بين أمانة بغداد وبلدية باريس، بهدف تبادل الخبرات الخدمية بين العاصمتين.

وهنا لا بد من التذكير بالغِنَى الفني والفلسفي والعلمي، الذي يزخر به تاريخ العراق وفرنسا، الذي يحتم على قادة البلدين تجاوز الاختلافات السابقة، وما يمكن تجنب سوء الفهم والانطواء على عقد الماضي، حتى تتواصل حلقات التكامل المشتركة، ومن البديهي أنّ هذا الأمر ينطوي على مآسٍ لا ينبغي التخفّي والاختباء وراءها، إنما السعي نحو فهم مُشترك أفضل ضمن أجواء من الاحترام المتبادل والتواصل البنّاء واستشراق المستقبل الوضاء، ليكون العراق بنظر الجميع، ذلك الشريك الآمن والمستقر للولوج في علاقات متوازنة، غايتها احترام المصالح المتبادلة بين الشعوب وأسس التطور والبناء المشترك. 

العراق كبلدٍ نامٍ ومتطلعٍ لحياة افضل إنما يدرك شعبًا وحكومة أن مسيرة التطور الفرنسي في مجال البناء والاعمار والخدمات، يمكن أن تأخذ مديات واسعة على أرضهل ويكون لها دور اساسي في تنمية العلاقات بين البلدين لما يحظى به البلد الصديق، من دور ريادي ومركز ثقل في منظومة التكنولوجيا الحديثة في القارة الاوربية والعالم.

وهنا لا بد من ذكر قضية في غاية الاهمية، وهي أن المجتمع الغربي عموما والشعب الفرنسي بوجه خاص، يدركان تاريخ ومُستقبل العلاقات الثرية مع العراق، لاسيما بعد الموقف الوطني لجميع ابناء الشعب وقواه الوطنية، برفض الغلو ونظرة الكراهية والعداء التي تجلت بمحاربة الارهاب ومكافحة التطرف وانتصاره على المجاميع الاجرامية وتُعافيه من آثار تيارات التكفير، والأخذ بعين الاعتبار روح الانفتاح والتسامح والتعايش، التي سادت بين ابناء الشعبين العراقي والفرنسي، لا سيما على مدى السنوات الأخيرة، التي شهدت جملة تفاهمات وتعاقدات للتعاون في ميادين عدة، ما جعل فرنسا تضطر إلى إعادة رسم سياساتها تجاه العراق. 

توقيع المذكرة تعكس بشكل واضح تفهم حكومتي العراق وفرنسا، لإظهار جمال بغداد بما تمتلكه من تاريخ وتراث والإصرارعلى تنفيذ المشاريع، التي تبرز الأهمية الحضارية للمدينة ومكانتها في المجتمع الدولي، وضمان تعزيز المصالح المتبادلة والقوانين المعمول بها في البلد الصديق، الذي يمتلك ارادة سياسية ورغبة واقعية في الانفتاح على العراق كمركز ثقل اقتصادي عالمي، من خلال تفعيل المشاريع المتعلقة بالثقافة والسياحة والتراث الثقافي الحضري للعاصمتين بغداد وباريس، وتعزيز ميدان إدارة البيئة والحفاظ عليها، وفق ديناميكيات تاريخية مفتوحة على شتى الاحتمالات والتوقعات ومساراتها الواضحة في المستقبل.