الطفل المتمرد سبهان آدم عالم بائس ومخلوقات مشوهة

ثقافة 2023/05/17
...

ميادة سفر


بكثير من القلق والتحفظ حيناً تدخل عالم الرسام السوري العالمي سبهان آدم، باحثاً عن مخلوقاته التي أرادها مشوَّهة قاسية، فلم يشأ أن يجّمل عالماً مليئاً بالحروب، ولا أن يرسم صورة وردية لواقع مشوَّه وحياة بائسة، بل اختار أن يكون فنَّه مرآة تعكس فساد وعنف وقسوة البشر، وكأننا به يعبِّر عنا وعن ذواتنا البشرية المريضة والحاقدة، عن بشاعتنا وقسوتنا، عن مجتمع يتابعه من نوافذ المقاهي التي اعتاد الجلوس فيها، مجتمع يبتعد كل يوم أكثر بكثير عن كل ما هو إنساني وأخلاقي وجميل، يغوص في القاع الممتلئ حقداً وقتلاً وبؤساً، يعكسه عبر لوحات صادمة قاسية.

 إنسان سبهان آدم مخلوق بعيون متعددة حيناً أو في غير أماكنها، وبرأس مقطوع أحيان أخرى، شخوصه تحاكي ما يراه وهو المتكئ على حسِّه البصري البعيد عن كل التصنيفات الدينية والأثنية والعرقية، فهو عالمي بإنسانيته واسمه “آدم” الذي اختاره جامعاً للبشرية كلها، فمن يكون هذا الرسام المغرق في غرائبية لوحاته وتوحشها؟ 

قادم من مدينة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، حمل في جيناته انتماءً لبلدين هما العراق لجهة أمه من الموصل وسوريا لجهة الأب، ويبدو أن العراق سيترك أثره فيه “بباديته وناسه الطيبين ومزاجه الموسيقي” يخبرنا، عاش طفولته في عائلة فقيرة لم يتنكَّر لها على الرغم من ثرائه الحالي، ولم ينسَ معاناته وتشرُّده في شوارع دمشق التي اختارها موطئاً لفنه ومنطلقاً لمستقبل حلم به وسعى واشتغل لتحقيقه، وها هو اليوم يعود ليعرض لوحاته في مدينته المحبَّبة دمشق في صالة جوليا آرت في فندق جوليا دومنا المجاور لمنزله، عن هذا المعرض الذي افتتح مؤخراً يحدثنا قائلاً: أعرض في جوليا دومنا المكان المفضل لي ولسهراتي اليومية، خاصة أنني أحب رؤية الأشخاص في الشوارع، منهم استمد لوحاتي سيكولوجياً وبصرياً، غير آبه بأي انتماء ديني أو غيره.

الطفولة وأفلام الكرتون التي شاهدها بالأبيض والأسود مثل ساندي بل ومغامرات السندباد، يعتبرها المنبع الأساس لأعماله وأفكاره وعمله، وقد مزج في معرضه الأخير الذي حمل عنوان “رابونزيل” بين لوحاته المسماة “الرسام ولوحاته” و الأعمال الطفولية بما فيها من أحصنة وألوان حيث بدت للمشاهد على الرغم من غربتها أكثر جمالية وأقل تشويهاً مما اعتاد عليه وهو ما يؤكده الرسام سبهان آدم رداً على سؤال حول إمكانية أن نرى لوحات أقل عنفاً وأكثر جمالاً في محاولة لاستدراجه لاستقراء المستقبل الذي لطالما بدا في كثير من أعماله السابقة، مشيراً إلى أنها قد تكون محض صدفة أو نتيجة إحساس الفنان ونبله وبراءته، فقد رسم لوحات تحاكي واقعاً عشناه بعد سنوات عند ظهور داعش والرؤوس المقطوعة، أو لوحاته التي يرتدي شخوصها كمامات وكأننا به يحضِّر لمرحلة وباء كورونا الذي يعتبره سبهان آدم محض بدعة من دولة عميقة، لذلك لم يكن لينساق مع القطيع حسب تعبيره، “أرفض الغوغاء، أنا رجل أعيش العزلة الشخصية والمهنية التي تقود إلى براءة الأشياء”.

أما عن عنوان معرضه الحالي في صالة “جوليا آرت” في دمشق والمسمى “رابونزيل” يحدثنا الرسام العالمي سبهان آدم: هو مرض نفسي خاص بالمرأة التي تعاني كثيراً لا سيما في منطقتنا والعالم عامة، من ضغط لاهوتي، جنسي، عائلي، ثمة تنمر كبير على المرأة، فالمرأة كائن منتهك، وهذا المرض الذي حمل عنوناً للمعرض يحاكي أوضاع النساء اللواتي يتعرضن لكبت شديد، وضغط من الأب والأخ والأم والزوج والعادات الاجتماعية، وفي الشارع والسوق، يقومون بنتف شعرهم ويأكلونه وهو مرض قد يؤدي للموت، مشيراً إلى أنه يركِّز على عناوين معارضه ويريدها دائماً غريبة وضاربة وغير مكررة، بعيدة عن المتداول والمألوف.

عن كل العنف والقسوة والمسوخ والتشويه لصورة الكائن البشري في لوحاته؟ يحكي أنه لا يتقصد العنف في أعماله، لكنه يرى العالم كذلك لذا أرسمه بهذه الطريقة لأنني امتلك براءة الطفولة، ولو كان العالم مختلفاً لا شكّ سوف أرسم بطريقة مختلفة، هو الذي أحسّ بصدمة حضارية أثناء إقامته القصيرة في النورماندي الفرنسية، على الرغم من الجمال والرقي والطبيعة لم يتمكن من البقاء وآثر العودة إلى دمشق “صعب آن أخون هذه الأمكنة التي ولدت وتربيت فيها وتورطت فيها بيولوجياً”، والفن يستمد قوته عند سبهان آدم من الأرض حتى في ظل الحرب والخراب، وهو القادر على أن ينفصل ذاتياً ودماغياً عن كل ما يحدث أثناء العمل، “عندما أرسم أجري انفصالاً عن كل ما يجري في الواقع، أكون مثل عصفور يحلق في سماء بعيدة”، الرسم بالنسبة له أهم من البيع والشراء،  أهم من المعارض، فهو الفسحة الوحيدة لعلاج الاغتراب الشخصي، اللوحة هي العلاج النفسي الأفضل الذي يعجز عنه أقدر الأطباء النفسيين، فأنا أعالج نفسي بنفسي يقول سبهان آدم.

عن بداياته يحدثنا أنه في عمر السابعة عشر قرر أن يكون رساماً عالمياً، هجر الشعر شغفه الأول والتحق بالألوان والقماش واللوحات، وما زال يدافع عن مشروعه ويشجع الكائن الهش في داخله ويدافع عنه بكل قوة، على الرغم من أنه لم يكمل تعليمه ولم يحصل على الشهادات العليا إلا أنّ لوحاته كانت جواز سفره إلى العالمية، وطريقاً لتحقيق أحلامه وشغفه.

لا يخفي وجعه وقلقه وانزعاجه من المجتمع الذي يعيش فيه، من نكران الجميل الذي يواجه به، من الحسد والنميمة التي تمارس ضده أو ضد كل إنسان ناجح في الحياة، يراه مجتمعاً مريضاً، ويدعوه للتخفيف من فساده لكي ننعم بهذه الحياة.

يتأثر سبهان آدم بكل إنسان جيد وإيجابي، بلاعب كرة قدم، أو بعامل نظافة يقول كلمة جميلة، أو بكلمات شعراء وكتاب وربما كلام ديني، فكل ما فيه دفق منشط ومحرض يلهمه ويدفعه إلى الأمام، وبالمقابل يأمل أن يعطي أملاً وطاقة للآخرين، محرضاً على الاستلهام من تجربته وإرادته التي أوصلته لما هو عليه اليوم، يقول” بدأت من الصفر، من القاع، من اللا شيء، حتى وصلت إلى هذه المرحلة والعمل”.

عن مشروعه المستقبلي يحدثنا أنه يحضر للعمل على ألف لوحة، قد يبدو رقماً كبيراً لكنه ليس كذلك بالنسبة لسبهان آدم المعروف بغزارته الإنتاجية واعتكافه الطويل الذي قد يمتد لأشهر ليخرج منجزاً عمله على أكمل وجه، ستحضر الطفولة أكثر في مشروعه الجديد، من خلال القصص الرومانسية الجميلة وحكايا شهرزاد وشهريار وقصة روميو وجولييت، وحوريات البحر والأحصنة المجنحة كتلك الموجودة لدى الأشوريين في العراق، مستعيناً بخياله ومكنونه الطفولي. 

“اشتريت أطناناً من الخرز الأزرق، وضعت عرافات بلاد الرافدين ومصر، ليحموني من الحساد ولم ينفع، ماذا أفعل يا إلهي؟ هل أصرخ مثل يسوع المسيح “إيلي إيلي لماذا شبقتني” “إلهي إلهي لماذا تركتني”

بهذه الكلمات أراد الرسام السوري العالمي سبهان آدم أن يختم هذا الحوار، ويعود إلى عالمه الغرائبي وألوانه ولوحاته، إلى مخلوقاته الغارقة في بؤسها، مطمئناً على فنه وشغفه، حيث تعرض لوحاته في أهم صالات العرض حول العالم، وتُقتنى من أهم متذوقي الفن وكبار الشخصيات العالمية من سياسية وفنية وإعلامية وغيرها.