الزند ذئب العاصي.. شجاعة دراميَّة

ثقافة 2023/05/17
...

ضحى عبدالرؤوف المل

يعكس مسلسل “الزند “ الشعور الممتع للمشاهد الذي يبحث عن النقاط المشتركة بين الأعمال الدرامية العربية،  والأعمال الغربية من حيث قوة الإثارة أو الأكشن الذي يدفع بمحبي هذا النوع من الدراما  إلى البحث عن الحلقات الجديدة  التي تم تنفيذها بشكل محبَّب للنفس،  وجاذب للمتابعة حتى اللحظة الأخيرة.

  كاتب المسلسل هو “عمر أبو سعدة” . رغم أن “الزند “ وهو من إخراج “سامر برقاوي “ بنكهة صراع العروش،  وبلكنة أهل سهل الغاب الناطقة بحرف القاف في مجملها مع التغيرات في اللهجات المختلفة،  وكلها لتوحيد الأرض والشعب في منطقة الغاب،  والتي تجمع بين العديد من المذاهب،  وقد تميل للعلويين كما يقول البعض  وللدروز،  فهم ينطقون بالقاف.  لكنها في حقيقة الأمر توحي بطينة أرض العاصي وبكافة مذاهبه،  وهموم الفلاحين والإقطاع الذين يريدون السلطة والأرض في وقت فرضت فيه التغيرات السياسية نوعاً من الزراعات وأهمها القمح . 

 لن أقول هذا العمل الدرامي مستوحى من مسلسل صراع العروش ، لأني بذلك أظلمه نقديا ً. فهذا عمل درامي عربي بامتياز يحمل اسم النهر الذي شهد الكثير من الحكايات بقوتها وضعفها عبر التاريخ،  وهو لأهميته المعنوية والجغرافية،  وحتى المذهبية التي جمعت كافة القرى من مذاهب مختلفة بمعاناة الإقطاع،  وهموم التسلط والاستبداد الذي عانى منه الشعب أيام الإقطاع . وبالتحديد عن قانون الطابو الذي سمح للفلاح بأن يتملك قطعة أرض آنذاك،  وهو قانون أصدرته الدولة العثمانية عام 1860،  وهي الفترة التي من المُفترض أنها بداية زمن هذا المسلسل. لكن الرفض الاقطاعي لقانون الطابو تسبَّب بمعارك بين البكوات والفلاحين. كما تسبَّب بمقتل والد عاصي الزند الذي هرب والتحق بالجيش العثماني،  ومن ثم عاد للانتقام. فهل جذب هذا المسلسل المُشاهد  أعمق وأعمق إلى منطقة سهل الغاب ونهر العاصي تحديداً لمعرفة الأحداث التاريخية التي جرت فيه؟ وهل صراع الشخصيات متجذِّر في القصة،  ويتم تذوقه إنسانياً كلما لاحت بالأفق أبيات العتابا،  وباستثناء صوت نوف الذي يذكِّرنا بالأعمال الدرامية القديمة التي طرأت لتسلِّط الدولة العثمانية آنذاك؟ وهل التصوير والموسيقى والأزياء والمؤثرات الصوتية هم حزمة درامية استكمل بها هذا العمل قواسمه المشتركة التي جعلته ناجحاً ومبهراً لهذه الدرجة ؟ وهل اعتمد صنّاع هذا العمل على ستراتيجية دقيقة درامياً وانتاجياً وكافة العناصر الأخرى منها تتر النهاية والبداية الذي أدمنه المُشاهد وحقق نسبة عالية على شبكات التواصل؟ 

استطاع الممثل” تيم حسن”  بدور”عاصي الزند”  تحقيق التميز الإبداعي بعد دوره في جبل شيخ الجبل،  وباختلاف في شخصية أصبحت نموذجاً درامياً يُحتذى به عند فئة من الجمهور،  لما فرضه من جاذبية باللكنة والتمثيل الموحي بالتلقائية للانغماس في شخصيته،  والإعجاب بها عند كثير من المشاهدين ،  وببصمة معقَّدة مثيرة للفضول كالبصمة الموسيقية التي منحها الموسيقي “ آري جان”  صُبغة درامية لا تقل أهمية عن النص،  لهذا المسلسل الذي اهتم بالشارة وبالعتابا ، وبصوت نوف ملكة البادية السورية في الغناء ،  وبمواويل العتابا التي تنتمي أيضاً لتلك المنطقة،  ومواويلها التقليدية بصوت “مها الحموي”  ومن كلمات برهوم رزق،  ولا يمكن تجاهل دور الممثل “أنس طيارة”  وهو” نورس باشا”  المليء بالشغف والإتقان،  وبهدوء بكوي تواءم مع جدارة” تيم حسن”  في هذه الشخصية التي تتنافس وتتآمر ضد”  نورس باشا “ وهو المغتصب المتمرد المتلاعب بالقرارات العثمانية والمتسلط.  بل ومنحا بعضهما قوة لا ثغرات فيها ضمن نسيج درامي لا يخلو من التنافس السلس بمهارة الممثل المحنَّك عبر الشخصية المتلاعبة سياسياً ونفسياً التي وصلت لدرجة الغليان بينه وبين عاصي الزند.  مما يزيد المُشاهد نوعاً من الإنغماس في الأحداث،  ولا يمكن السهو عن “دانا مارديني”  الموالية للإصلاحيين مع أبيها وإطلالتها النسوية في الزمن العثماني وبأرستقراطية متناسقة ولطيفة لمشاهد استطاعت إقناعه بثقة ورضى.  فالتناغم بين  الطاقم التمثيلي برمَّته ظهر في معركة النهر وصعوبتها في التمثيل ، والقتال في الماء الذي يحتاج لقدرات منها الإنتاجية وتصميم المعارك ، والخبرة الكبيرة التي لا يمكن إنكارها أننا عربياً ما زلنا بحاجة لخبرات قوية،  ومع ذلك تميز بالجرأة بشتائم  توارت باللكنة المساعدة،  لكي لا ينفر منها المُشاهد للدخول بروح واقعية الحدث ووضعنا أمام مستويات  البيئة بين الآغا والبيك والفلاح،  وحتى لجندي حارب في معارك كسر عظم،  وخرج منها على قيد الحياة ،  وهذه اعتبرها جرأة محببة وسهلة الهضم رغم أن البعض قد يستنكرها ، لكنها متماسكة تمثيلياً،  وغير مصطنعة كما هي الحال في شخصية الممثل “فايز قزق”  الذي ذكرنا بفيلم أبو علي شاهين ولكن بعصرية ذات روحية درامية مختلفة،  ولكن باستثناء عصري أخضعه لتبريرات الشخصية التي تكمن في قوة معنى الشخصية التي تسبَّبت بالحدث أو الشرارة الأولى وهي قتل والد عاصي الزند أمام أهل قريته وأسرته . فهل شكّل مسلسل الزند شجاعة درامية جعلته يتماهى مع الجمهور ملحميا بكافة عناصره؟    أم أن محاولة الاغتيال في القطار هي غمزة سياسية تحمل في طيَّاتها الكثير من التحليلات المبطنة لحدث فريد في تاريخ الدولة العثمانية ؟ وسرقة البنك لها ذيولها للتلميح بالأطماع الغربية لبلاد الشام ؟