عبدالامير المجر
في العام 1978 عقدت في بغداد قمة عربية استثنائية، بعد زيارة السادات الشهيرة للقدس، وبعد ايام شاهدت رسما كاريكاتيريا في احدى الصحف أو المجلات العربية، تظهر فيه خيمة وقد خرج منها رجل تبدو عليه علامات القوة والتحدي، ويقف على مسافة منه شخص تبدو عليه علامات التعجب، ويتحدث مع نفسه، الحديث الذي يعكس مضمون الرسم الكاريكاتيري؛ (عجيب دخلوا عشرين وخرجوا رجل واحد)! وواضح قصد الرسام الذي كان متفائلا اكثر من اللازم، لأن الواقع ليس كذلك، فمقررات القمة التي اعلنت في حينه والتي اغرت الرسام ليجسدها بهذا العمل الفني الصحفي، بقيت مجرد حبر على ورق، أو هكذا ظل يقول المواطن العربي عن مؤتمرات القمم اللاحقة التي لم تحقق الحد الادنى من التضامن، ولم تخرج برؤية اقتصادية تحقق قدرا من التكامل، ولم تحفظ الأمن القومي الذي جعلت منه الخلافات بين الانظمة بابا لتدخلات الأغراب وإحداث المزيد من التمزقات في البلدان العربية وشعوبها.
اليوم يقف الحكام العرب ومن جاورهم على حقيقة مؤلمة، تتمثل في أنهم جميعا خدعوا وأنهم في تآمرهم على بعضهم مهدوا الطريق لهذا الخراب.. العرب بسبب عدم انضاجهم رؤية موحدة لحفظ امنهم كأنظمة وأمن شعوبهم من خلالها.. وبعض الدول الاقليمية المؤثرة، لاعتقادها أن بإمكانها الاستحواذ على هذا البلد العربي أو ذاك في خضم فوضى (الربيع العربي)، الذي خرج من أقبية المخابرات الدولية لتحقيق هدف بعيد غير معلن، تحقق بعضه، لكنه فشل ستراتيجيا، لأسباب عديدة.. نعم، خرجنا جميعا من تلك التجربة المريرة بدروس علينا أن نتكاشف مع بعضنا لنجعل منها عبر، بعد أن تبيّن لنا جميعا أن النظرة القصيرة والرؤية القاصرة في معالجة المشكلات، تحولها إلى كوارث كبيرة، وهو ما أدركه الجميع اليوم، وعليهم ان يعترفوا بذلك.. لم يعد هناك مجال للمجاملات وإلقاء البعض اللوم على البعض الآخر، لأن الأحداث كشفت عن تورط الجميع، بشكلٍ أو بآخر.
نأمل ان تكون قمة الرياض القادمة في 19 من شهر أيار 2023 بداية لمصارحة باتت ضرورية للجميع، وأن توجه الدعوة لقادة دول الإقليم، ولاتقتصر على العرب وحدهم، لاسيما تركيا وايران واثيوبيا وتشاد وغيرهم من قادة الدول، التي تحادد البلدان العربية وتؤثر بأمنها وتتأثر به، كونها تمثل لبعضها عمقا ستراتيجيا بحكم الواقع... نعم، نأمل ان تكون القمة القادمة والتي أتت بعد تفاهم سعودي ايراني، وكذلك تفاهم مصري سعودي مع تركيا، بمثابة البداية للانطلاق نحو عقد جديد من العلاقات بين البلدان العربية وجوارها الذي صار من المؤكد مقدار تأثيرها على بعضها، ايجابا وسلبا، وهذا يتوقف على النيات السليمة والتخلي عن المشاريع الطوباوية، التي لم تجن منها الشعوب جميعا سوى الخراب وضياع الأرواح والأموال.. والزمن الذي لن يعوض.