د. أثير ناظم الجاسور
الجماهير مجنونة بطبيعتها “ كوستاف لوبون”
تلعب الجماهير دورا كبيرا في بلورة صناعة القائد من خلال البيئة التي يتفعلون فيها ووفق مجموعة من الأفكار والتصورات، التي تنطلق منها سواء كانت هذه الأفكار مكتسبة أم نابعة من دراسة وبحث، وهي التي تعمل على صياغة البديهيات، التي تُخلق في أجواء الرقعة الجغرافية التي تنشأ بها من خلال ما متبنياتها التي تعمل على تطبيقها أو تحاول تطبيقها، بالضرورة وفي أي رقعة جغرافية سواء كانت دولة أو مجموعة دول مرتبطة بمشتركات متعددة، فالكتل البشرية أو الجماعات تكون غير متجانسة بطبيعتها، وهي التي تعمل على خلق مرؤوسيها وقياداتها بناء على معتقدات وأنساق موروثة من البيئة التي تعيش فيها وتتفاعل مع قضاياها، وعدم التجانس هذا ما يجعل من الجماهير مقسمة بين مؤيد ومعارض ومحايد أو ساكت كما يسميه البعض وفق ما تستقبله من نظامها السياسي، الذي ليس بالضرورة قد اكتسب الرضا التام، ويعتمد هذا بالدرجة الأساس على محركات هذه الجماهير ومتبنيات هذه المحركات، سواء كانت دينية أو قومية أو علمانية وحتى إلحادية، من ثم تُصبح فكرة التعاطي مع الجماهير على أساس احتسابهم كتلة بشرية واحدة صعباً للغاية لما تُشكله من تحديات كبيرة بالنسبة لصانع القرار.
ولو أسقطنا هذه المعضلة على الحالة العراقية نجدها تتضمن مجموعة من التقسيمات التي تجعل من عمل الطرفين (الجماهير – صانع القرار) صعبة قد تصل في الكثير من الجوانب مستحيلة، وهذا أيضا نعزوه إلى البيئة التي يتفاعل بها الطرفان من خلال تحقيق الثقة من قبل صانع القرار والحصول على التأييد والرضا من قبل الجمهور، فصانع القرار أو الحاكم نتاج بيئته كما يقول علي الوردي وهذه البيئة التي تنتج صناع قراراتها قد تنقلب جماهيرها عليهم بسبب عملية الإدارة، التي تجعل من مخرجات مؤسسات الدولة صوب الجماهير غير فعالة ومنتجة، مشكلة صناع القرار في العراق بعيدين عن قراءة التاريخ وعن الكيفية التي تتعامل بها الجماهير مع حكامها ليس في العراق فقط إنما في مناطق مختلفة من العالم، فحسابات الحاكم غير المنطقية بتقسيمه لجمهوره بين المطيع والمُغفل وغير المسؤول تعتمد على الحالة التي يتعامل بها في مرحلة معينة من حكمه، أما اليوم فالحسابات مختلفة والانتخابات التشريعية الأخيرة كانت دليل على أن الجمهور غير ثابت عند قياس مستويات الوعي والمطالبة بمخرجات حكومية أكثر فاعلية، لا بل إن عملية الدفع صوب الرفض باتت واضحة بالنسبة للطبقة الحاكمة، التي لم تعمل على تعزيز الثقة وردم الهوة بينها وبين جماهيرها والجماهير المعارضة، لا بل عملت على تعزيز فكرة الابتعاد عن الواقع وعدم الاكتراث بما تعانيه هذه الجماهير.
اليوم الجماهير أكثر وعياً من السابق والتخندقات الحزبية والهويايته الفرعية لم تعد تعمل على تعزيز مركز الحاكم بقدر ما يُعزز دوره وقدراته المنجز المُقدم من قبله وفريقه العامل على تحقيق كافة وسائل الحياة الطبيعية للجمهور بشكل عام، وقضية اطلاق الوعود باتت واحدة من الأوراق الخطرة، التي تهدد مركز واستمرارية صانع القرار لما لهذه المسالة الحساسة من دور في زعزعة الاستقرار النفسي بالدرجة الأساس والاستقرار الاجتماعي بشكل عام، بالتالي فجمهور اليوم هو غير جمهور الأمس، بالرغم من أننا لا نؤكد ذلك بالمطلق لاعتبارات هوياتيه لا تزال تعمل على تعزيز التقسيم الجماهيري، قد تصفق الجماهير وتتبع وتنحاز وتدخل في سجالات الدفاع عن هويتها الفرعية، لاعتبارات الجماعات البشرية المحافظة على هويتها وثقافتها، لكنها تنتظر بالمقابل من صانع القرار أن يكون على قدر عالٍ من المسؤولية في تحقيق وعوده والعمل على تعزيز الثقة، وفق ما تبناه من توجهات ستحسب عليه في صيف حار تكون الجماهير معضلته، فبالقدر الذي تلعبه في صناعة القائد هي من يلعب ذات الدور على أن يكون مرفوضاً مهيأ للعزل.