{ريجنت}.. شيدها طبيب مجانين وافتتحها الوصي

ثقافة 2023/05/22
...

علي حمود الحسن
تزايد إقبال الجمهور البغدادي على دور السينما، خلال وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وصارت صالات العرض ملاذاً لمسراتهم، وبوابة لاطلاعهم على ثقافات وتقاليد الشعوب، وأصبح الذهاب إلى السينما "طقساً محبباً"، فشيد رجال أعمال عراقيون دور عرض حديثة وبطرز معمارية جميلة، منها: سينما "غرناطة"، و "الارضوملي"، و"الفردوس"، و"النجوم"، و"برودواي"، فضلاً عن العديد من دور العرض الصيفية، لكننا سنتحدث اليوم عن سينما "ريجنت"(الوصي)، التي شيدها الوجيه يوسف القاضي(طبيب أمراض عقلية)، وهو زوج طبيبة العيون الشهيرة عفراء التي لا تبعد عبادتها كثيرا عن السنيما.

   افتتحت "ريجنت" بحضور الوصي عبد الإله في العام 1949، بالفيلم المصري "بياعة اليانصيب" (1947)، الذي مثلت فيه رجاء عبدة، والمطرب غرام شيبا، وماري منيب.

 سينما "ريجنت" التي تقع قريباً من الطرف الكرخي لجسر الأحرار، في محلة "الكريمات" المتآخية، قبالة تمثال الملك فيصل، الذي نفذه الإيطالي بترو كانونيكا في الصالحية، تغير اسمها إلى الجمهورية بعد ثورة 14 تموز 1958، ثم إلى "الأندلس" حتى يوم هدمها الحزين في العام 1981، نتيجة إنشاء شارع حيفا، إذ حلت محلها بناية وزارة العدل الحالية.   

يستذكر أهالي الصالحية عموماً و "الكريمات" خصوصاً، بحنين أيام "الأندلس" وأفلامها الجميلة و"المحتشمة" والمتنوعة، بدءاً من الأفلام العربية والهندية، ومروراً بالهراقل، وانتهاءً بروائع جيمس بوند والأفلام الجاسوسية، وعلى الرغم من كونها سينما شعبية ومن الدرجة الثانية، إلا أن الأسر كانت ترتادها، لا سيما في دور التاسعة مساءً، لتجنب المضايقات، وللتمتع بالمشاهدة، بدلاً من صخب الجمهور، ومن أشهر الأفلام المعروضة فيها: "أحبك انت" لفريد الأطرش وسامية جمال، و "طرزان"، و"هرقل الجبار"، و" ليلى العامرية"، و"الشمس الحمراء" وغيرها كثير. 

 لا أحداث مهمة شهدتها سينما "ريجنت" الأندلس لاحقاً، على مدى أربعة عقود، قبل إزالتها نهائياً لتبقى أثراً بعد عين، بحسب عباس السماك صاحب محل لبيع السمك النهري، الذي يفخر بأن أباه، كان الصباغ الذي طلى واجهة "الأندلس" في مراحل تجديدها الثلاث، والذي لا يبعد "محله" كثيرا ًعن مكان السينما القديم، لكنه يتذكر يوم دوى انفجار هائل هز أرجاء الصالة، فخرج روادها مذعورين وانتشروا في أزقة "الكريمات"، ليكتشفوا بعد ذلك أن الانفجار مصدره "دبات" غاز لا غير.

ثمة حكاية طريفة يرويها الباحث والمؤرشف السينمائي مهدي عباس عن الإذاعي الرائد مهند الأنصاري، الذي غامر بإخراج فيلم روائي بعنوان "أدبته الحياة"(1957) أنتجه بمشاركة عدنان الصفار، ولأن الفيلم لا يتجاوز زمنه الـ (40) دقيقة، فقد رفضه معظم أصحاب السينمات، عدا أصحاب "ريجنت" الذين وافقوا على عرضه في 1958/1/8، شرط أن يكون معه فيلم أجنبي، خوفاً من ضياع "الصاية والصرماية".