حرب النفايات في القاهرة

بانوراما 2019/04/22
...

ديفيد وود
ترجمة: ليندا أدور
“هنا، ومن أجل القمامة، الناس لا تتشاجر فقط، لقد رأيتهم يتقاتلون فيما بينهما حتى الموت، فلا قوانين تحكم هذه المهنة”، بهذه الكلمات استهل سمعان جرجس، حديثه، وهو أحد عمال جمع وفرز القمامة في القاهرة، الذين يعملون بجمع النفايات ليتم تحويلها الى مواد خام ذات قيمة.
يعيش جرجس وعائلته في منشية ناصر، احدى ضواحي القاهرة، والتي يطلق عليها “مدينة القمامة”، اذ تضم التجمع الأكبر والأكثر نفوذا لجامعي القمامة في مصر. وتقدر كمية ما تنتجه مصر من النفايات الصلبة سنويا، بنحو 80 مليون طن، وفقا للاحصائيات الحكومية. فعلى مدى سبعة عقود، كان جامعو القمامة يمثلون دعامة مكملة للبنى التحتية غير الكافية للنفايات، اذ ينتشرون في جميع أنحاء المدينة، ليعودوا محملين بجبال من القمامة المنزلية فتتولى النساء والأطفال فرزها. 
 
تواصل وتطبيق
خلال السنوات الأخيرة، بدأت شركات ناشئة بعرض المال على السكان مقابل شرائها المواد المفرزة والقابلة للتدوير. يلجأ مينا بحر، مؤسس شركة ريسايكولايف RecycoLife المتخصصة باعادة التدوير منذ العام 2015، الى نشر اعلاناته عن جمع النفايات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم، يرسل عماله لشراء النفايات القيّمة كمواد البلاستيك والألمنيوم. يرى بحر ان الاعلان يحث السكان على المشاركة بجمعها لانه يفتقر الى عمال لجمع القمامة وفرزها.
يقول مينا، معلقا على تعارض نموذج عمل ريسايكولايف مع نموذج عمل جامعي القمامة بأن: هؤلاء يريدون أن يحصلوا على القمامة مجانا، لأنها، كما يرونها، حق لهم”، مشيرا الى أن المشاكل بدأت عندما زار جامعو القمامة مناطق كانت ريسايكولايف تشتري النفايات من المنازل فيها، تلقى على إثرها اتصالا هاتفيا تهديديا، يطالبه بإغلاق الشركة في الحال، فضلا عن تعرّض جامعي القمامة العاملين معه لهجوم عنيف بمناسبات عدة أثناء ممارستهم عملهم.
اليوم، صارت الشركات الناشئة تبحث عن طرق أخرى للحصول على النفايات ذات القيمة دون أن تثير غضب جامعي القمامة، فتعبر ريسايكولايف عن رغبتها بجمع النفايات من مدن مصرية، خارج القاهرة، وتحاول شركة أخرى الوصول الى زبائنها عن طريق تطبيق على الهاتف المحمول، يتيح لها تنظيم جمع النفايات من المناطق السكنية بشكل متكتم. يرى آخرون أن الاحتكاك مع جامعي القمامة قد بلغ حده، اذ تعرض رجل أعمال مصري للتهديد بالقتل؛ ما أجبره على الفرار الى خارج البلاد، ليؤسس شركته الخاصة لاعادة التدوير في المانيا.
 
متاهة القاهرة
ينقسم الرأي، ضمن مجتمع جامعي القمامة أنفسهم، حول ان كان تشجيع سكان القاهرة على فرز النفايات بهدف إعادة التدوير سيعود بالنفع عليهم. يعتقد عزت نعيم الجندي، احد سكان مدينة القمامة، ويدير جمعية “روح الشباب” غير الحكومية، بأن أقلية قوية منهم تفضل جمع نفايات معزولة. وهكذا تغيير، قد يسهم بتقليص مرات الفرز اليومي الى النصف، مع تحسين معايير الصحة المجتمعية بمناطق جامعي القمامة، فهم يتعرضون للاصابة بالجروح وخطر الفيروسات المسببة للأمراض كالتهاب الكبد الفيروسي الذي يحصل نتيجة الاصابة بالحقن الطبية المنتشرة وسط القمامة غير المفرزة. يقول الجندي: “يعارض معظم جامعي القمامة فكرة فرزها منزليا، لأن البوابين والحراس سيطلعون على قيمتها الحقيقية”. يوضح الجندي بأن شركات التدوير الناشئة تصب تركيزها على النفايات التجارية، تاركة نفايات المنازل لجامعي القمامة، الذين يجمعون نحو 63 بالمئة من مجموع قمامة القاهرة الكبرى، ما يسمح للشركات الناشئة بالعمل، وفقا للجندي.
يرى رواد أعمال إعادة التدوير بانهم، بذلك، يقدمون خدمة تختلف عن جامعي القمامة، فيقول بحر: “نريد لهم أن يحققوا الربح الذي يستحقون، لكن من دون الاستحواذ على سوقها بالكامل”، معترفا بعدم تمكن أحد من مضاهاة تفوق جامعي القمامة بعملهم داخل متاهة أزقة القاهرة ومجمعاتها السكنية، رغم امتلاك الشركات الناشئة التكنولوجيا الأفضل لمعالجة تلك المخلفات.
ما يثير خشية جامعي القمامة، هو قيام المصريين بفرز نفاياتهم بشكل جماعي، فسيجد الانتهازيون فرصة سهلة للانقضاض على لقمة عيشهم. فحتى الآن، يخوض جرجس، الذي قضى حياته وهو يعمل بجمع القمامة، حربا مع منافسيه الجدد، مثل البوابين ونابشي الفضلات وغيرهم، من أجل كيس قمامة قابلة للتدوير، معلقا: “ان لم تخرج للعمل ولو ليوم واحد، سيأخذ أحدهم محلك 
فيه”.
 
*صحيفة الغارديان البريطانية