اختلاف واتفاق

الصفحة الاخيرة 2023/05/23
...

حسن العاني

قبل 30 سنة، أي بعد زواجه بست سنوات تقريباً، وهو يتمسك بعادته، فمع اليوم الذي يتسلم فيه راتبه الشهري، يجلس وحيداً في غرفة النوم، ويغلق الباب بالمفتاح وراءه وكأنه يخطط لمؤامرة، ولن يغادر مكانه الا بعد ساعة في الحد الأدنى، وقد أثار ذلك شكوك زوجه، لأن الشك جزء من جينات الزوجات الوراثية، وقد انعكست ظنونها وشكوكها على حياتهما الزوجية، لم تعد الحياة إلى مجاريها كما يقال، إلا حين اطلعت على ما يجري، ووقفتْ على الحقيقة فشعرت بالخجل واخذها الحياء واعتذرت منه اجمل اعتذار وطيبت خاطره بعبارات رقيقة، وليس كالرجال، كائن حي ينسى ذنوب المرأة ويغفر لها اخطاءها وخطاياها وما تقدم لها من ذنب وما تأخر، بمجرد أن تدغدغ عواطفه بقليل من الغنج والدلال، وأربع كلمات ناعمة تفوح منها رائحة الغزل!.

خلوة الرجل إذن باتت مكشوفة لزوجه ومعروفة، بل باتت تحضر معه تلك الجلسة (السرية)، التي لا تتعدى حساب راتبه الشهري، وكيف يتم توزيعه بين الايجار ومصروف البيت وعموم المستلزمات الاخرى.. كان راتبه ولغاية النصف الاول من تسعينات القرن الماضي ( ربما لغاية 1993 أو 1994) يُدفع له بالدينار،( 50 ديناراً – خمسون ديناراً)، وبعد ذلك العام تحولت الرواتب إلى لغة (الآلاف)، فأصبح راتبه (4 آلاف دينار)، والأمر الذي أثار استغرابه وحيرته في الوقت نفسه، إنه منذ كان يتقاضى خمسين ديناراً وإلى أن أصبح يتقاضى أربعة آلاف دينار، لم يطرأ جديد على حياته المعيشية، فقد ظل حلمه معطلاً في أن يتذوق اللحم الأحمر مرة في الاسبوع، وأن يكون إفطاره الصباحي على ( قيمر العرب والكاهي)، ولو مرة واحدة في الشهر وأن.. وان..

لا بأس..ها هو الآن بعد 9/4/2003 يتقاضى أضعاف راتبه القديم ( 600 الف دينار)، ومع ذلك لم يستطع تحقيق احلامه البسيطة، فلا لحم احمر ولا قيمر عرب ولاهدية واحدة في السنة لزوجته بمناسبة عيد زواجهما، ولا اصطحاب ابنائه وزوجه إلى مسرح أو مطعم أو زوراء أو مدينة العاب أو سفرة إلى مصيف كردستاني ولا...ولا... هو يتهم زوجه بأنها مبذرة، وهي تتهمه بأنه يعطي نصف راتبه لأهله على حسابها وحساب ابنائهما !!

في جلسة سادها صفاء النية، توصلا إلى المشكلة، وهي أن الأسعار بعد 9/4 اصيبت بالجنون، فقنينة الغاز مثلا ارتفع سعرها من (250) ديناراً إلى (7 آلاف ) دينار، أي تضاعف المبلغ (28) مرة، وتضاعفت إلى مبلغ مماثل اسعار الملابس والدجاج والبيض واللحم والحقائب والأحذية والقرطاسية، مثلما ارتفعت اجرة الطبيب واجور الكهرباء والماء والنقل و.. وظهرت أجور جديدة كمولدة الشارع والموبايل والانترنت والدروس الخصوصية، وبالمقابل اختفت معظم مفردات البطاقة التموينية!. وفي لحظة صفائهما الذهني، توصلا إلى أن (الدكتاتورية البغيضة) و

( الديمقراطية المحبوبة ) تختلفان في سياسة الحرية والتعبير عن الرأي، وتتفقان في سياسة تجويع المواطن!.