المرأة في أعمال فاطمة لوتاه

ثقافة 2023/05/23
...

 خضير الزيدي 


محاولات الفن التعبيري عند فاطمة لوتاه تأخذنا إلى سياقات خاصة تجدها أكثر انتسابا في الأشكال الى المحيط الاجتماعي، وهي بهذا الفن من أعمالها ترتكز على أسس ثابتة من الانتماء إلى هويتها وجذورها الشرقيَّة والغاية هنا تأكيد لخطاب المحليَّة برؤية شخصيَّة تتبناها وفقا لإدراكها بأنَّ الانطلاق من (البيئة المحليَّة وتوظيفها فنيَّاً) سيجلب النضارة لفنها.

وتتطلع هذه الفنانة لإيجاد علاقة متينة بين بيئتها ونزعة فن يقترب من الحداثة حتى وأن كان الأسلوب وصياغته ذات طابع انتقائي.

فاطمة لوتاه لا يبدو عليها أنّها تعيد الاغتراب في الفن ولا مظاهره بل عمّقت بما يوازي النزعة التراثيَّة في الفن، لكي تسلّط ضوءاً من المعرفة على حياة اجتماعيَّة أقرب للبداوة والريف والواقع الاجتماعي المعاصر، جاء كل ذلك من منظور تقليدي تريد الحفاظ عليه ليتداول فنيَّاً من دون أيَّة خلخلة في موازين الزمن أو المكان، ولعل فكرة مثل هكذا فن تجعلنا نحتفي بذواتنا لأنَّها تحيي فينا روح التأمّل للواقع، ونعيد خلفيَّة الانتماء لمحيطنا الاجتماعي وهويتنا العربيَّة، فما الذي تودُّ أن تُعلنه فاطمة لوتاه وهي تؤكد بأن الغالب من لوحاتها التعبيريَّة ترتكز على المرأة الاماراتيَّة سواء بزيها التقليدي أو المعاصر؟. 

غمار هذه المغامرة الفنيَّة والأسلوبيَّة له ما يُبرره حيث منطق الهوية أولاً، ولأنّها امرأة تناصر متطلبات المرأة فقد وجدت في كيانها دليلاً حيَّاً على إحياء أهم المواقف الإنسانيَّة في نصرة المرأة والوقوف معها، وجاء ذلك الخطاب عبر الرسم والحفاظ عليه وحتى التخطيط المسبق لأهم مفرداته التعبيريّة، وحسنا تصنع هذه الفنانة حينما تولي بوجهها نحو خيار موضوعها ونبرة الاصلاح فيه. 

فهي تبحث عن نتائج تجذب المتلقي وتتخذ من الجسد الأنثوي معنى جاداً تنفتح فيه بأسلوب يميزها عن غيرها من حيث الخطوط والألوان والمشهد، وحتى التحديث في صياغة الفن.

وأعتقد أنّها تنظم سيلاً من الأفكار لتطرح في كل لوحة من أعمالها فكرة معينة ليس بمعنى الانعزال إنما هناك قاعدة اكتمال مع كل لوحة سابقة، كأنّها هنا ترمي المتلقي برابط أفكار يتفاعل ويدوّن من خلال وسائط اللوحة ومفارقاتها وانشائها التكويني. 

والملفت في خطابها التعبيري الخاص بالمرأة أنّه لا يتبرأ من حوادث وإشكاليات المكان أو الزمان، بل تقتضي الضرورة أن تتوهّج لوحاتها بخيار معين ذي دلالة مكانية سواء من خلال طرح الأزياء الخاصة بالمرأة الشرقيّة أو من خلال تصحيح مسار النظرة القاصرة لتلك الكائن، وحتى طبيعة لون 

بشرتها. 

وأفهم من خلال لوحاتها التي تنشرها بين فترة وأخرى عبر روابط موقعها في «الفيس بوك» أنها تجعل من التدوين الحي لبيئتها في الامارات خيارا ثابتا مع أنّها عاشت ودرست في امريكا وايطاليا وأكثر من بلد خارج مكان ولادتها في الامارات، وهذا يجعلنا نقدر ما تبتغيه من خطاب أخير يمثلها فنيَّاً وأسلوبيَّاً. 

نعم ليس بمقدور المتلقي أن يجد اغترابا في لوحاتها فهي تتمتع بذائقة وإدراك ومرونة، وحتى فهم لما يحيط بثوابت طريقة الرسم وخياراته المثاليَّة، لكننا كمتلقين نقف في منطقة وسطى بين نزعتها الحداثويَّة واشتراطات هويتها، ونتساءل عن أهمية كل هذه الحساسيَّة الباذخة في تأكيد خطاب الهوية الإماراتية. 

ثمة ما يبرر لنا نحن محبّي الفن التشكيلي أن الملامح والاحاسيس التي نراها في العمل الفني أقرب لوجداننا وشعورنا، فكل وجه تعمل عليه لوتاه تعبيريا تجده يحمل سمات الوجه الشرقي، وغالبا ما تكون الملامح شفافة ومتأمّلة وهادئة مليئة بالاسترخاء، وهذا التكريس لمظاهر الجو النفسي والشعور بالمسؤولية جدير أن يجعل من فطرة الفن، وتوثيق ما يصبو إليه دلاليَّاً أكثر انسجاماً مع المحيط الاجتماعي الذي تؤكده هذه الفنانة في أعمالها. 

أجساد المرأة لم تعمل على إغوائنا بتصور وطابع الايروتيك إنما زعزعت الاغواء لينصب المعنى باتجاه التعامل اليومي مع المرأة بشكل ملفت من دون الارتقاء بالشبقيَّة، مثلا فالجسد يسقط رتابة الاغراء أمام فضائل ما تحمله المرأة انسانيا نتلمس ذلك من خلال استثمار شكل الملابس للمرأة وطبيعة نظامها اليومي وسيطرة الفنانة على اجراءات التمثيل الصوري للانتماء لغريزة المكان الشرقي، كل الوجوه التي تشتغل عليها تتوهج كما ألوانها بأوصاف عدة تتجاور قوة وحقيقة حيويتها، وغالبا ما تكون المعالجة المعتمدة في تشكيل لوحاتها مبنية على السيطرة والتنظيم من خلال التعامل مع الخطوط والتكوين والألوان والتعبير وقد يكون لذلك التنظيم مبررات النجاح الذي يشعر المتلقي به وهو يقف امام لوحات فاطمة لوتاه.