هل تؤثر البيئة في إنتاج النص الأدبي؟

ثقافة 2023/05/24
...

  علي لفتة سعيد

الأديب كما يقال ابن بيئته.. ويقال إن الذي يكتب عن بيئة غير بيئته لن يصيبه النجاح.. ولكن الكثير من النقاد مثلا يقارنون بين النصّ الأجنبي على أنه نصّ كامل، مقابل التقريع بالنصّ المحلي على أنه نصّ (مهلهل) غير ناضج فيه الكثير من الشوائب، متناسين أن الأديب المحلي غير الأديب الأجنبي من ناحية البيئة وأثرها وتأثيرها. لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل البيئة واحدة في المعمورة؟ وهل هناك اختلاف في البيئات؟ وإن كان بالفعل هناك اختلافات، فهل لها تأثيرات على النصّ وإنتاجه؟ وهل التأثير النقدي الذي لا ينتمي إلى بيئة محلية هو السبب في عدم الانتباه للبيئة؟ أم أن البيئة لا علاقة لها بالإنتاج لأن الأدب واحد؟.

صورة الأدب

يقول الناقد والأكاديمي العراقي الدكتور سعد التميمي إنَّ الأدب ابن بيئته وهذا ما تكشفه العلاقة بين البيئة الخاصة والعمل الأدبي التي تكون نتاج ارتباط المبدع بالبيئة العامة والظروف المحيطة به، التي تتجلّى بوضوحٍ في صورة العمل الأدبي ممزوجًا بأحواله الحياتيّة وتفاصيله النفسيّة، ومرجعيته الثقافيّة، وهذا ما يعكسه الأدب على مرّ العصور، ويوضح أن الشعر الجاهلي والعباسي خير دليل على ذلك، والنقد لم يكن بعيداً عن هذه العلاقة، فتقسيم ابن سلام الجمحي الشعراء على طبقات وتخصيص طبقة خاصة لشعراء المدن، فضلا عن تفسير ابن قتيبة لمقدمة القصيدة العربية التقليدية يؤكد أنهما يؤمنان بتأثير البيئة في الأدب ولا بدَّ من تحليل ذلك في النقد، ويضيف أيضا أن مدام دي ستايل ترى أنّ الأدب صورة للمجتمع ولفهمه لا بدَّ من الاستعانة دراسة بالتاريخ. 

ويشير إلى أن هيبوليت تينلا عَدَّ البيئة أحد ثلاثة عناصر مؤثرة في الأدب لا يمكن أن نعزل الأدب عن بيئته.. ويتابع أن الروائي والقاص الفرنسي جي دي موباسان يرى أنّ المرء ابن البيئة التي يعيش فيها، ويرى غرين بلات أن الأدب بشكل عام أحد الممارسات الثقافيّة في مستوى البنية الفوقيّة، يعبر من خلاله عن مجموع المعتقدات والتجارب الجمعيّة وهو وسيط في شكل جمالي، والنص الأدبي غير مستقل عن السياق التاريخي والثقافي الذي ينتجه. 

ويرى أنّه إذا كانت بعض المناهج النقديّة الحديثة قد عزلت النص الأدبي عن سياقاته الاجتماعيّة والبيئيّة وركّزت على اللغة تارة والمتلقّي تارةً أخرى ومن خلال بعض المقولات مثل موت المؤلف، إلا أن ذلك لم يستمر، ولذا وبحسب قوله إنه سرعان ما ظهرت مناهج أخرى أعادت ربط الأدب بمحيطه كالبنيوية التكوينية والنقد الثقافي وآخرها النقد البيئي (الايكولوجي) انطلاقا من بعد معرفي يستند الى جدلية العلاقة بين الانسان والبيئة إذ يتأسس على تحليل مختلف الخطابات الأدبية من حيث رؤاها البيئية، وتحديد خصائصها، ومنطلقاتها الثقافية ويعد النقد البيئي من أطروحات ما بعد الحداثة إذ يدخل مفهوم الأدب فيما يعرف بالاخضرار الذي طال العلوم الإنسانية، والذي يدعو إلى تغيير النظرة إزاء البيئة والتطرق لأزماتها، للبحث عن حلول لها ولذا كما يقول التميمي أن البيئة ليست وحدها من ترفع من مستوى الأدب بل عبقرية وقدرة الأديب على استثمار البيئة وتوظيفها بالشكل الذي يعطي قيمة لأدبه، وفي النقد ايضًا هناك خصوصية محلية لبعض المناهج تحتاج الى تكييف من أجل توظيفها لتحليل ونقد أدب بيئة أخرى.


أفكار بالية

الشاعرة المصريَّة رضا أحمد تقول: ربما تكون الطبيعة واحدة في المعمورة من حيث توقع الأحداث بناءً على اقتفاء وتتبّع آثار الماضي، وتقول أيضا إنّ هذه الرتابة المستمرة تدخل التغيرات المناخيّة والتدخلات البشريّة مثلا في نطاق الإحالات الطارئة، معادلات لا نهائيّة بتغيّر طفيفٍ في المدخلات وتدافع العناصر والظروف، قليل من الوقت وتعود الطبيعة لممارسة روايتها الأزليّة في روتين يومي وفرضية متوقعة، لكنها تستدرك حين تعتبر البيئات بالطبع مختلفة في التضاريس والمناخ والإرث البشري المتنوع، تأثير هذا الاختلاف الأكبر يكون في التعاطي المعرفي مع البيئة من ناحية والتراث الثقافي والحضاري للبيئة نفسها من ناحية أخرى، فالريف المصري مثلا غير الريف الهولندي، مهما تشابهت الحرف، فكل بيئة هنا لها أدواتها ومعطياتها وعناصرها التي تؤثر في الكاتب وانتاجه الأدبي أفقيا على مستوى المكان ورأسيا على مستوى الزمن، الاختلاف الأكثر تراكما هنا يكمن في الصوت البشري الذي تشبع بإرث طويل من العلاقات المتداخلة سواء مع البيئة بطبيعتها الجغرافية أو المجتمع بتحركاته البشرية على امتداد الماضي والمستقبل. 

وعن البيئة في العالم العربي تقول رضا إنه يختلف لكن لا يقابله دراسات نقدية تساعد في كشفه وتحقيقه أكاديمًيا ومعرفيا. 

وتعقد أن السبب يعود لعالمنا العربي منغلق على نفسه أغلب الأحيان ومحصورا في حقب زمنيّة بعينها تتناول الأدب بعين تراثيّة تنقّيه من الحداثة وبصمة الآخر أحيانا، هذا الانغلاق جعل الحركة النقديّة متراجعة لا تواكب زمن الكتابات الجديدة ولا تستطيع إخضاعها تحت أدواتها الرتيبة وقوانينها الخاملة، جعل هذا الكثير من الكتاب يقعون فريسة الإغراق في المحليّة من حيث الأفكار والأسلوب وطبيعة المكان وشكل المجتمع لا من حيث الفلسفة وتطور الوعي المعرفي والجمالي، مثلا قد نجد الكثيرين يطردون قصيدة النثر من جنة الشعر بدعوى أنها لا توجد في نظرياتهم النقديّة التقليديّة أو في نظرتهم الجامدة للشعر كفن عربي قديم بوزن وقافية وهيبة مفروضة في أغراض محددة، وترى هذا الرفض يجعلنا محاصرين في خانة الأعداء والمنبوذين غير متقبلين للآخر بإرثه المعرفي ووعيه الجمالي، رفض مقنع بوجوه مشوهة لا تستطيع حتى أن تتعاطى مع الآخر الموجود في بيئتها لأنها تخاطبه بأفكار بالية وأفق منغلق على ذاته يجاهر باتهامات للمختلف والمغرد بعيدا عن السرب بالتخلي عن الإصالة والتشكيك في نواياه وانتاجه الأدبي، لذا المسألة هنا ليست في عدم وجود أدب يستحق العالمية ولكن في مشهد ثقافي يتصدره مؤسسات تقليدية وفساد أفراد ودراسات نقدية لا تكفي من ناحية غزارة الإنتاج ومن ناحية أخرى تتمسك بأدوات بالية.


البيئة وإنتاج الأسئلة

من جهته يقول الناقد العراقي علي سعدون إن تأثير البيئة والمحيط والطبيعة على منجز الكاتب في تجربته الإبداعيَّة يتضّح بشكلٍ ملحوظ باعتبارها مؤثرات على درجة عالية من الأهمية بسبب تعلّق الكاتب بالفطرة بتأثيرها وقوة حضورها في منجزه.

ويعطي أمثلة متعددة تشير الى مثل هذا التعالق في تجربة بدر شاكر السياب وسعدي يوسف وغائب طعمة فرمان بمؤثرات الطبيعة والبيئة في نصوصهم وأدبهم، بقطع النظر عن نمط الكتابة التي ينتمي اليها هؤلاء الكبار. 

ويستدرك أن واحدة من أهم مبررات ذلك التواشج بين المؤثرات وبين المنجز الإبداعي، هي المبررات النفسية التي تلقي بظلالها على روح وذهنية الكاتب.

اذ لا يُعقل أن تذهب مخيلة الكاتب الذي ينحدر من أفق صحراوي، بدوي، الى ما يمكن أن نسمّيه الأفق المديني المختلف جذريا عما يمكن للصحراء أن تفرزه، حتى وإن تعلّق الأمر بضرورات الكتابة التي تستند الى التغريب فإن ذلك سيكون مفتعلا وغير ذي نفع في أصالة الخطاب الإبداعي. 

ويمضي بقوله إنه قد نجد ما يغاير هذه الرؤية من خلال نماذج قليلة تكون نادرة ولا تشكل باي حال من الاحوال ظاهرة يمكننا ان نعوّل عليها في ضعف مؤثرات الطبيعة والمكان والبيئة على روح وتطلعات الكاتب ومنجزه. 

ويوضح ان التجربة النقدية في العالم بعد الحربين الكونيتين أشارت الى نزوع عدد كبير من الكتّاب الى آفاق عدمية ويأس مطبق بسبب مؤثرات الموت المجاني الذي رزحت تحت وطأته شعوب ذرفت الكثير من سعادتها واستقرارها بسبب تلك الكارثة بوصفها مؤثرات قارة وقوية اشاعت بنية اليأس والعدم والموت في نماذج هائلة في الروايات والمجموعات الشعرية. 

ولنا في تجربة فانز كافكا ورامبو وآخرين أمثلة حيّة على قوة حضور المؤثر النفسي والبيئي الذي أنتج أسئلة وجود هائلة وكبيرة ميّزت منجزهم عن سواه. 

لكنه يقول انه لا يمكن اغفال المدى الكبير الذي تخلّفه البيئة على سمات وملامح التجربة المصرية على سبيل المثال في القصة والرواية، إذ عملت تلك المؤثرات على جعل محليتهما شاخصة في نقل التجربة الحية في الزقاق والمقهى الى الورق. 

ومن ثم صارت تمثيلات الواقع لديهم اكثر اهمية وفاعلية في جعل الادب في خضم الحياة وليس معزولا بين دفتي كتاب.


التأثير والنتاج الأدبي

الناقد العراقي الدكتور عمار عزت صنّف علاقة الأدب بالبيئة من أنّها إشكاليَّة، ويقول، في النقد الحديث تبرز ثلاثة اتجاهات: الأول يرى أن الأدب انعكاس لحياة الكاتب وما يحيط بها من ظروف نفسية واجتماعية كما في (المناهج السياقية)، والثاني يرى أن الأدب (لغة) وأدبية اللغة تكمن شعريتها؛ والثالث فقد نظر الى اللغة بوصفها علامة تقترن دلاليَّاً بالمرجعيات الخارجيّة وبالقارئ الذي يحتل مكانة مميزة كما في السيميائيات والتداوليّة وفي النقد الثقافي الذي تنازل عن شعرية اللغة لتحل محلّها أنساق ثقافيّة واجتماعيّة مضمرة تعد محركات ودوافع لإنتاجيّة الأدب.

ويرى أن البيئة في النقد قد تدلّ على مفاهيم عديدة مثل البيئة الجغرافية الطبيعية والبيئة الاصطناعية: (المدن والقرى) وتفرّعاتها، والبيئة النفسيّة، والبيئة الاجتماعيّة، والبيئة الثقافيّة؛ وما يرتبط بها من عناصر معرفية وعقلية ودينية وسياسية وغيرها، وقد قدمت هذه المناهج النقديّة أدلة وقرائن تبين الارتباط الوثيق بين الأدب والبيئة بمكوناتها المختلفة، فالبيئة بوصفها الحاضن لكل ما تقدم؛ تفرض على الكاتب جملة من الإكراهات والمحددات التي تسهم بشكل كبير في انتاج نسق أو أنساق محددة من الكتابة الأدبيّة، فالأدب في الأنظمة الشموليّة يختلف عن الأدب في الأنظمة الديمقراطية التي تمنح الكاتب مساحة من الحرية في التعبير وفي اختيار الأشكال الأدبيّة التي تعبر عن طبيعة المرحلة تاريخيا واجتماعيا وثقافيا، ولعل مقارنة بسيطة بين أدب ما قبل 2003 وبين أدب ما بعد التغيير يوضح تأثير البيئة في النتاج الأدبي كما ونوعا، كما يبين حرية الكاتب في تجاوز المحظور وكسر التابوهات الثلاثة المتمثلة في الدين والجنس والسياسة. 

لكنه يؤكد أن وجود الفارق بين الأدب المحلي والآداب الأجنبيّة ويتلخص في الفرق بين الأصل والمحاكاة، فالأدب الغربي المعاصر قد قطع أشواطا في التحديث والتجريب شعرا وسردا، وكذلك في النظرية النقدية في العقود السبعة الأخيرة، والسبب هو أن البيئة الغربية قد شهدت تحولات سياسية واجتماعية وفكرية كما شهدت تطورا علميا أسهم في انتقال العقلية من التفسيرات الميتافيزيقية للعالم الى التفسيرات العلمية الظاهراتية والمادية التي تبرهن علميا صحة الظواهر؛ ونسبيا صحة الأطروحات الاجتماعية والأدبية والنقدية والأنثروبولوجية وغيرها من الفروع التي يضمها حقل الانسانيات. ويمضي عزت بالقول في النقد توجد قطيعة معرفيّة بين الوعي النقدي الغربي مقارنة بالوعي النقدي العربي، فالأول نتاج بيئة؛ وتحولاته ترتبط بالتحولات السياسية والاجتماعية والدينية، إذ أحدث النقد الغربي قطيعة مع التصورات السائدة وأعاد قراءة موروثة بشكل عميق وجريء ليصل الى ما وصل اليه، أما وعينا النقدي فهو وعي نظري أفرزته اتجاهات الحداثة وما بعدها فضلا عن التحولات التي أفرزتها العولمة والنظم السياسية العالمية، فالعقلية العربية راديكالية تعيش في الماضي، وما تطلعاتها الحداثوية إلّا محاكاة للنظرية الغربية النقدية والفلسفية والاجتماعية، فالأديب يعيش حالة انفصام بين واقع قائم وعالم ممكن خلقه وانتاجه، انفصام بين التمسّك بالأصالة أو مجاراة الحداثة، والبيئة المحليّة بمستوياتها المختلفة لا توفر أرضية صالحة على التحديث والتجريب والانقلاب، من دون إنكار لبعض المحاولات العربية التي حرّكت الراكد في التفكير في مجال السياسة والدين والاجتماع والفلسفة والنقد والأدب، ومن دون إنكار للمحاولات المحدودة لبعض الأدباء في كسر الطابع المحلي للأدب العربي والعراقي.


صراعات داخليَّة

الكاتبة والتشكيليَّة ومصممة الديكور لمياء رشيد المقيمة في هولندا ترى أن تأثير البيئة كبير في حال لم تكن ظروفها مستقرة، البيئة لا تشمل المكان والزمان فقط وإنما تتعداهما الى محيط بأفراده وجماعاته وتأثيرهم المباشر وغير المباشر على رؤى الكاتب، اضف اليها خلاصة المعيشة ضمن انفتاح او انغلاق فكري لأنّها سواء شئنا أم أبينا تؤثر في ثقافة وكينونة الكاتب، فكلُّ مؤلف وليد صراعات داخلية باطنية تفرز تجارب والأهم قراءات، وكلها شأنها شأن أي اكتمال لا بدَّ من تجميعها في توحيد. بإمكان الكاتب تغيير بيئته عن طريق القراءات المتعددة أما الكاتب الذي يلزم مكانا واحدا ويعيش قسرا في مكانه، لا يخرج الى فضاءات اطلاع، سيظل حبيسا داخل دائرة مغلقة، وعليه البيئة المكانية لاتؤثر بشكل مباشر قياسا الى إمكانية الطيران في قراءات موسعة شاملة. 

هنالك آلاف النصوص الأجنبيّة الركيكة المركونة جانبا لأنّها غير مؤثرة فالإبداع هبة من الله وكل الظروف الزمكانية لهذه الهبة عبارة عن أدوات صقل لتلميعها، الإبداع أشبه بحجر ماس لا بدَّ من استخراجه بحذر وتأنٍ من أعماق مناجم العقل، اهم ما في الانتاج الأدبي ان يكون بعيدا عن التجارة لأن أغلب كتاب اليوم يفكرون بنتاجهم الادبي على أنه سلعة. الكاتب المبدع يخلق علاقة عشقيَّة بين فكره وهدفه لصناعة نص يبيعه على إنه الأجود والأكثر تميزا، كما ان المؤلَّف يفرض وجوده على الساحة الادبية بفكرته قبل لغته، وهنا يكمن الفارق بين موهوب ومبدع، لأن الموهوب مُنسِّق، وعن تجربتها ككاتبة قضت نصف حياتها في الغرب تقول إن البيئة صارت تؤثر على كتابات المؤلفين العرب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي واحتكاكهم اليومي بأشخاص من نفس بيئتهم، ومن ثم تأثرهم المباشر بالمحيطين وهنا تصبح البيئة الادبية التنافسيّة مثل أشعة يتعرض لها الكاتب فتسرطنه بمرور الزمن ويؤثر في غيره من خلال نتاج أدبي وقتي تنتهي صلاحيته بسرعة لأنه أشبه بصناعة صينية رخيصة، مشكلة النقاد العرب تركيزهم على الجوانب الشكلية محاباة للبعض  ومجاملتهم بينما الناقد الأجنبي يركز على العيوب قبل المحاسن، ومن هنا نجد التطور الغربي في كل المجالات سريعا لأنّه صادق، الأدباء يكذبون كثيرا على بعضهم. 


النقل الحرفي

أما الباحثة الدكتورة رائدة العامري فتقول إنَّ تأثير البيئة ترتبط بصفة عامة بأمرين: الأول بكون البيئة تؤثر في حياة الكاتب/ الشاعر، وتنعكس في النص الأدبي/ الشعري، وثانيا فيما يقدمه هذا الكاتب أو المبدع لبيئته من خدمات جمالية تزيد من وعي الآخرين والمتلقين بأهميتها. وتشير الى تقسيم المدارس والمناهج النقدية، فهناك من يرى أن البيئة يجب أن يتم تمثلها في الشعر والفنون الأدبية الأخرى بشكل يشبه التمثيل الآلي أو المباشر. وهذا ما لا ترضاه المناهج النقدية الحديثة. وترى أن الإخلاص للبيئة وللمحيط والنشأة ومؤثرات الحياة على الكاتب/ الشاعر، لا يجوز أن تتم مباشرة بالنقل الحرفي. وإنما بأخذ عناصر من البيئة والارتفاع بها إلى مستوى جمالي وفني مناسب ومؤثر. والشيء الآخر والأهم هو تبدل وجهات النظر من البيئة، اليوم هناك من يدعو إلى أن يكون الشاعر/ الكاتب عموما أحد الأصوات التي تنبه القارئ والمتلقي مما يحصل في بيئتهم من دمار وتلوث، كونها كما يرى آخرون أنّ البيئة من مسؤولية الكاتب والمبدع. وعليه أن يزيد وعي الآخرين بأهميتها، وبالحفاظ على الكثير من تقاليد هذه البيئة التي نشأ فيها. والحفاظ على التقاليد الفنية التي يمكن له أن يعيدها إلى الذاكرة، وأن يستغل جمالياتها لبثها في نصوصه.

 ويتجلى التأثير في المتلقي عموما حينما يكون التفاعل مع البيئة متنوعا، مع ازدياد وعي الكاتب وإحساسه بمسؤوليته تجاهها، فضلا عن التجسيد الفعلي والواقعي لتفاصيلها، وهذا يختلف من شخص إلى آخر تبعا لاختلاف البيئة، والمستوى الدراسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، فالانسجام والتناسق من القيم الجمالية المهمة في الفن وفي

الأدب. إذ إن المثقف له الدور الفاعل في إنتاج تصورات جديدة ومحاولة تغيير الحاضر للأفضل من خلال الاقتباس من النماذج النوعية للمعرفة العلمية، والنموذج السلوكي المرتبط بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أثبتت نجاحها، والبحث عن حلول تستجيب للنمط الاجتماعي القائم، لتحسين التواصل وتنقية الأفكار والمعطيات، والرغبة في كسب المتلقي للموضوعات المقترحة كاستراتيجية قصيرة المدى بوسائل مختلفة، بحيث يستمر العمل في التوسع في الفضاء كأولويّة معرفيّة ثقافيّة.