الابتلاء السردي

ثقافة 2023/05/24
...

 محمد جبير


 يظنّ بعض الكُتَاب ممّن يمارسون تسويد الصفحات البيض، أنّهم يسردون حكايات سوف تشوّق المتلقّي، ويبقى متلهفًا لمتابعة ما ينشرونه، وهم واهمون في ذلك، أو يعيشون وهْم الكتابة، لذلك لا يعي هؤلاء الكُتّباء مسؤولية الحرف والكلمة والجملة، لأنّهم لا يدركون مسبقًا معنى ما يسطرونه.

هؤلاء الواهمون، وهم كثر، فكّروا، بعد إحالتهم على التقاعد، أنّ أفضل وسيلة لقتل الوقت الفائض هو في كتابة السرديات الروائية، وإذا كان الأمر بهذا الشكل بالنسبة لكبار السنّ، فإن لدى بعض الشباب الغرور والاعتداد بالنفس على الرغم من قلّة خبرتهم وتجاربهم في الحياة، وفقر معرفتهم القرائيّة للنصوص الروائيّة العراقيّة والعربيّة.

ترى هؤلاء ينشطون في التجمّعات والمنتديات، يحملون رزمًا من أعمالهم، ويوزعونها بين عدد من الأشخاص ممن يعرفونهم شخصيًا، أو لا يعرفونهم، أو لم يسمعوا بأسمائهم، هكذا هو الحال بالنسبة للمشهد الإبداعي الذي أُتخم بأسماء لا تعرف معنى الكتابة، وأبتلى المتلقي بهم الذي يلهث وراء نصّ سردي قد يخفّف عنه حدّة خساراته اليوميّة، ويمسح الغبار عن أحزانه، هذا المبتلى بهذه السرديات، في تكرار تجربة القراءة، وازدياد الخيبات في النصوص السرديّة يراكم لديه الشعور بفشل تجاربه القرائيّة، وعدم قدرة هؤلاء في الإمساك به وجعله مشدودًا إلى متابعة النصّ، مما يؤدّي إلى عزوفه عن فعل قراءة النصوص المحليّة، والذهاب إلى النصوص المترجمة والعربيّة.

أمام المتلقّي خيارات واسعة، هذه الخيارات سوف تفتح أمامه نوافذ عدّة يطلّ منها على تجارب روائيّة، ويتعرّف على كُتّاب وبلدان ومدن لم يرها في حياته، لكنّه يعيش دفء أجوائها من خلال الروح في النصّ، هذه النافذة سوف تفتح أمام المتلقّي آفاقًا معرفيّة وثقافيّة رحبة للاطّلاع والاستمتاع والتشويق، وذلك من خلال الكمّ الهائل والمتنوّع من تجارب شعوب مختلفة أو متشابهة في العادات والتقاليد والواقع الاجتماعي العام، وهو ما يدفع المتلقّي إلى التساؤل في تقارب تجارب تلك الشعوب مع التجربة الاجتماعية المحلية، واختلافها من حيث القيمة الفنية العالية لتلك النصوص السردية الوافدة من تلك البلدان.

تلك النماذج الغربيّة التي يذهب لها المتلقّي، قد يكون الكاتب المحلّي قد اطّلع على بعض منها، أو يذكر الكثير منها بين جلساته الخاصّة، ليظهر للآخرين سعة اطّلاعه، لكن هذه السعة تنقلب إلى ضيق ومضايق مسدودة في النصّ السردي، فقد تكون تلك النصوص مسرودات ذاتية مسموعة، أو مشاعة يعرف المتلقّي تفاصيلها، أو عاش جانبًا منها، لذلك لا تثير شهيته لمواصلة فعل القراءة، وإنّما تدعوه للتثاؤب والاسترخاء، وإذا أراد أن يغادر النصوص الغربية، ويذهب تجاه النصوص العربية لكون مجتمعاتها قريبة أو متطابقة مع طبيعة المجتمع العراقي، والانطلاقة في الكتابة السردية متقاربة مرحليًا، فإنّه أيضًا يلمس الفرق ذاته بين ما منجز على صعيد التجارب العربية، والتجربة العراقية، مع بعض الاستثناءات لدى الكُتّاب الذين رسّخوا تجربتهم الإبداعية بإنجازات مهمّة على الصعيد المحلّي والعربي أيضًا، وهذا ما نلمسه حتى لدى بعض الكُتّاب الشباب الذين أكّدوا حضورهم في المحافل الأدبية العربية، وحصدوا الجوائز المهمّة.

لا يعني ذلك أنّي أقدّم صورة متشائمة أو متفائلة عن المشهد الإبداعي السردي، وإنّما أشير إلى حالة عامّة يعاني منها المتلقّي كلّ يوم، وأنا واحد منهم، فإنّ هذه الحالة المرضية، أدّت إلى انحسار الكتاب الإبداعي العراقي محلّيًا، وذلك لاقتصار الطبع والتوزيع على الكاتب ذاته، وغياب دور النشر الداعمة للإنتاج الإبداعي الرصين، وغياب دور التوزيع للكتاب، واقتصارها على المعارض فقط.

إذن ما العلاج لهذه الظاهرة؟ وهل نستطيع نحن كأفراد من تقديم حلول ومعالجات لتخطّي هذه الظاهرة السلبيّة، على الصعيد الشخصي؟ لا أعتقد أنّنا كأفراد باستطاعتنا أن نقدّم حلولًا للمعالجة تكون ملزمة للآخرين، وإنّما نقدّم مقترحات قد تكون صائبة إلى ورش عمل ثقافيّة تقوم بها المؤسّسات والمنظمات الثقافيّة، وتخرج من خلالها بتوصيات تكون واجبة التنفيذ وملزمة

للجميع.