جامايكا لا تريد الملك تشارلز رئيساً لها

بانوراما 2023/05/24
...

 أندريه رايت 

 ترجمة: بهاء سلمان

مع أن الملايين من مشاهدي التلفزيون حول العالم أذهلتهم أبهة مهرجان تتويج الملك تشارلز الثالث، كان الاهتمام الفاتر بالحفل أوضح علامة حتى الآن على انتهاء علاقة حب جامايكا مع العائلة المالكة. المحامي المخضرم "هيو سمول"، العضو البارز في لجنة الإصلاح الدستوري المكوّنة من 15 شخصا، والمكلّفة برسم خارطة تحوّل جامايكا إلى جمهورية، لا يستطيع وصف شعوره بعدم الصبر للتخلّص من النظام الملكي.
 "لا أستطيع تحمّل فكرة أن رئيس دولة جامايكا هو الملك تشارلز الثالث،" قال سمول، 81 عاما، قبل التتويج، وأضاف: "لقد تحمّلنا ذلك لفترة طويلة بما فيه الكفاية، والآن وصل الوعي العام إلى نقطة الغليان، وأنا متشوّق للغاية لمشاهدة تلاشي هذا النظام. لم تنتقل حالة القبول التي كنّها  الجامايكيون تجاه الملكة إليزابيث إلى تشارلز، فهو ليس محبوبا جدا؛ وهو يجعل من الصعب حقا بالنسبة لي ولكثير من الناس في جامايكا أن يعتقدوا أن تشارلز الثالث ملك جامايكا."

ويتذكّر سمول أنه كان تلميذا داخليا لإحدى المدارس الثانوية، عندما توفي الملك جورج السادس في عام 1952 وخلفته ابنته إليزابيث. ويتذكّر المحامي بعض زملاء الدراسة، الذين وصفهم بأنهم "أبناء البلانتوقراطية"، وهم يبكون مع سماعهم لخطاب مدير المدرسة. (البلانتوقراطية هي طبقة حاكمة مكوّنة من أصحاب المزارع – المترجم)

ومع ذلك، يصرّ سمول على أن التاثير الوجداني للملكة، التي زارت جامايكا ست مرات خلال فترة حكمها التي استمرت 70 عاما، لن يرثه تشارلز. سمول، المعيّن في مجلس الملكة في عام 1985، وبدأ بمزاولة مهنته قبل 60 عاما، لديه آراء معادية للملكية منذ فترة طويلة. وكان قد تصدر عناوين الصحف العام الماضي عندما قام بإشعال النار في ثلاث من باروكاته القضائية، تعبيرا عن معارضته لوضع المجلس الخاص المتخّذ من بريطانيا مقرا له، بينما هو يمثل محكمة الاستئناف العليا 

لجامايكا.

اختارت الحكومة عدم إدراج وضع محكمة الاستئناف على جدول أعمال لجنة الإصلاح الدستوري، قائلة إنه لا يوجد إجماع سياسي حول هذه المسألة. بيد أن سمول ينظر للمجلس الملكي كونه غير متوافق مع رؤية الحكم 

الجمهوري. "

أعتقد أنه من غير المتناسق مع وضعنا كجمهورية الذهاب إلى محكمة الملك تشارلز البريطاني للمطالبة بالقليل من العدالة. نحن بحاجة إلى إنهاء تلك العلاقة في أسرع وقت 

ممكن".

اما "اكسبات ديفون غرين"، وهو جامايكي مقيم في لندن منذ سنة 2000، فيعتقد أن الملك الجديد "محبوب بدرجة أقل من الشعب البريطاني". ويقول غرين، 55 عاما، إن فضيحة ويندرش والعنصرية الملموسة تجاه دوقة ساسكس زادت من رفضه للنظام الملكي، الذي رفض الاعتذار عن دوره في العبودية. "الكثير، إن لم يكن جميع المهاجرين، سيشاركونني وجهة نظري، فالنظام الملكي لا يخدم مصالح الجماهير، وقد استغلّ، على مدى مئات السنين، الأشخاص والبلدان داخل الكومنولث وخارجها، مما أدى إلى إثراء مؤسسة الحكم."

وتعتقد المذيعة "فاي ايلنغتون"، التي غطّت ما لا يقل عن ست زيارات ملكية إلى جامايكا، من قبل الملكة إليزابيث، ثم الأمير تشارلز، والأميرة آن، والأمير هاري ثم ويليام وكيت، أن صراعات العائلة المالكة على غرار المسلسلات قد عمّقت كراهية الجامايكيين للنظام الملكي. كما انتقدت "أسلوب الحياة الصارم وغير الطبيعي" للنظام الملكي ومناوراته لحماية صورته.

اكتسب التأييد الشعبي للتخلّي عن الملكية زخما هائلا داخل جامايكا، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه "دون أندرسون" في العام 2022 أن 56 بالمئة من الجامايكيين يؤيدون تفكيك الملكية الدستورية، وهي قفزة من 44 بالمئة المسجلة سنة 2012. ويبدو أن التحرّك للتخلي عن النظام الملكي قد تسارع منذ وفاة الملكة، وانتقال الجيران الشرقيين لجامايكا في البحر الكاريبي، بربادوس، إلى جمهورية سنة

2021.


رؤية الشباب

"ديفيد سالمون"، الشاب الجامايكي العشريني، والحاصل على منحة رودس للدراسات العليا في جامعة اوكسفورد عن جامايكا لعام 2023، كان حامل لواء الجزيرة في حفل التتويج؛ وكان فخورا بكونه جزءا من الحدث التأريخي، إلا أنه يريد أن يكون تتويج يوم السبت آخر ما تشارك فيه جامايكا بصفتها من دول الكومنولث.. يقول سالمون: "أعتقد أن هذا الحدث يمكن أن يمثل لحظة فاصلة، حيث يمكننا تحويل علاقتنا مع المملكة المتحدة، وهذا شيء أنا وأقراني مهتمون برؤيته".

على عكس باربادوس، تحتاج جامايكا إلى إجراء استفتاء شعبي لقطع العلاقات مع النظام الملكي؛ كما ينبغي طرح التشريع في مجلس النواب لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل بدء المناقشة، ثم إرساله إلى مجلس الشيوخ. وتتطلّع حكومة رئيس الوزراء الجامايكي "أندرو هولنس" إلى تحقيق التصديق الكامل بحلول العام 2025.

ومع ذلك، ترى جماعات الضغط المختلفة بأن المواعيد النهائية الضيّقة المدى للجنة الإصلاح لن تسمح إلا بمراجعة سطحية للدستور، مما يحرم البلاد من الوقت الكافي لتثقيف الجمهور واستشارات هادفة.

وتكمن أحد عناصر الخلاف الحادة لصياغة الجمهورية الجديدة في ما إذا كان ينبغي أن يتمتع الرئيس بسلطة تنفيذية، أو مجرّد أدائه لدور بروتوكولي، مثل الحاكم العام الذي يمثل الملك. 

يريد سالمون منح السلطة للرئيس الجامايكي، من بين أمور أخرى، وتقديم مشروع قانون إلى المحاكم لاختبار دستوريته، بناءً على مشورة من هيئة مؤهلة، وهو لا يؤمن بوجود ممثل سياسي يعمل بموقعين: رئيس للدولة ورئيس للحكومة. "على سبيل المثال، لا أريد أن تمتلك المؤسسة السياسية القدرة على اتخاذ القرارات التنفيذية، والموافقة على التشريعات، ومنح العفو للأفراد المسجونين، وكذلك إجراء التعيينات في اللجان المختلفة. هذه الصلاحيات التي ستكون لرئيس تنفيذي مستقبلي للبلاد، إذا أردنا دمج مهام منصب رئيس الوزراء والحاكم العام."


صحيفة الغارديان البريطانية