الذكاء الاصطناعي يقتحم الأدب

ثقافة 2023/05/27
...

 باقر صاحب 


لن يبقَ شيءٌ في هذا العالم المتسارع، بمنجزاته العلميّة والتقنيّة والاقتصاديّة، غير قابلٍ للتصديق، بل علينا، بدلاً من الاستنكار والاستهجان، أن يدفعنا الفضول بشدةٍ الى الخوض بكل ما هو جديد، واستيعابه بإيجابياته وسلبياته، ومن ثمّ نتخذ مواقفنا الموضوعيَّة أزاءه. 

يكثر الحديث الآن، عن تغوّل الذكاء الاصطناعي في الأدب، وباستطاعته كتابة روايةٍ أو مجموعةٍ قصصيّة، ومن يدري هل يستطيع كتابة الشعر مثلاً؟ وتساؤلنا نجيب عنه بما سنخوض فيه لاحقاً. 

من الكتّاب الجادّين الذين تناولوا هذه الموضوعة بشيءٍ من السخرية، القاص والروائي المصري ابراهيم عبد المجيد، فيذكر في مقالة له بهذا الشأن في صحيفة "القدس العربي" اللندنيَّة أنّ صديقه الروائي أشرف العشماوي شاهد مجموعاتٍ 

قصصيةً من تأليف الذكاء الاصطناعي في معرض كتابٍ في المملكة العربية السعودية، وكان انطباعه عنها بعد تصفّحها، بأنه ليس فيها روحٌ أو أحاسيس إنسانيّة. 

وفي السياق نفسه يذكر عبد المجيد أنّ بعض الشباب حدّثوه بأنهم ألقموا الذكاء الاصطناعي معلوماتٍ لبناء قصص، فخرجت تلك متواضعةً في المستوى الفني، وبأنهم حاولوا تعديلها. إذاً يمكن القول أن سرديات الذكاء الاصطناعي خاليةٌ من الروح والمتعة الفنية، وهنا يكون استنتاج عبد المجيد، ونحن معه في استنتاجه، بأن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع إنتاج الشعر، فالشعر فيه من النزعات الروحيّة والعاطفيّة ما لم تستطع الروبوتات تجسيدها. 

أكثر من مقالةٍ في الصحافة الثقافيّة هذه الأيام، تريد إيصال فكرةِ أنّ الذكاء الاصطناعي لا يستطيع إجادة فنون الكتابة الأدبيّة كلها، فمثلاً تناولت صحيفة "اليوم السابع" المصرية، بتوقيع الصحفي عبد الرحمن حبيب رواية (موت مؤلف) كتبها الذكاء الاصطناعي، فكانت عبارةً عن سيناريو لفيلم، أي أن الرواية المذكورة غير مستوفيةٍ لاشتراطات الكتابة الروائيّة، وأن الروبوتات لا تستطيع التعمق في فنون الكتابة الأدبية، عنوان الرواية يشير أيضاً إلى موت المؤلف البشري وانبعاث مؤلف الذكاء الاصطناعي. ثيمة الرواية كما وردت في المقالة تتلخص بما يلي "يجد جوس دوبين الناقد الأدبي والباحث نفسه مدعواً إلى جنازة بيجي فيرمين الروائية الشهيرة والتي أصبحت الآن ضحية جريمة قتل،  فيصمّم على معرفة من قتلها والدوافع وراء ارتكاب الجريمة، ومع بدء تحقيقه لم يمضِ وقتٌ طويلٌ قبل أن يجدَ نفسهُ في قلبِ تجربةٍ في شركة Marlow AI ، وهي شركةُ نماذجَ لغويةٍ كبيرة، تعتمد الذكاء الاصطناعي فى مشروعاتها". وفي النهاية نعرف أن الفيلم (المسمى رواية) "كتبه ستيفن ماركي، وهو إنسان، بالتعاون مع ألدان مارشين الذي ليس إنساناً ولكنه "منتج" إذا جاز التعبير، لبرمجيات الذكاء الاصطناعي".

ابراهيم عبد المجيد في مقالته الساخرة، يذكر بأنه إذا كان الذكاء الاصطناعي اقتحم قلعة السرديات، فلنعلن انتهاء زمن الرواية، ونعود إلى الشعر، لأنه القلعة الحصينة لروحيّاتنا أمام تغوّل الذكاء الاصطناعي. بالرغم من ذلك نخشى مع عبد المجيد خروج الروبوتات على من اخترعها، وتصبح هي صانعة القرار في كلِّ شيء، ويصبح عالمنا روبوتياً مجيداً لصناعة الشر، بدلاً عما أُريدَ لبرمجيات الذكاء الاصطناعي أن تكون كقفزة عملاقة في التقدم العلمي والتقني في العالم، إلاّ إذا استطاع مبرمجوه تحقيق قفزةٍ مضادّةٍ قوامها تلقيم تلك البرمجيات التعاليم الدينيّة والروحيّة، وهنا يحضرني قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم "إنما يخشى اللهُ من عبادهِ العلماء" سورة فاطر، آية 28. شاهدُنا على ذلك الفرد نوبل مخترع الديناميت، من أخطر وسائل التدمير في العالم، فكفّر عن اختراعه الشرير بجائزة نوبل، وهي فعل خيرٍ في مكافأة صنّاع السّلام والتقدم العلمي والإبداع الأدبي في العالم.