بغداد تطلق باكورة مباحثات «طريق التنمية»
بغداد: مهند عبد الوهاب
البصرة: سعد السماك
في إطار المساعي الهادفة لتعزيز الدور الاقتصادي للعراق في المنطقة والعالم، تنطلق اليوم السبت في بغداد أعمال مؤتمر "طريق التنمية" الستراتيجي بمشاركة 10 دول إقليمية، الذي من المؤمل أن يبدأ العمل به في عام 2028 بعد اكتمال مراحل تنفيذ ميناء الفاو.
ويمثل المشروع الضخم الذي يعرف بـ"القناة الجافة"، أحد أهم المشاريع الاقتصادية التي تعمل الحكومة على الإسراع بتنفيذها خلال المدة المقبلة، ويبدأ من الفاو مرورا بتركيا وصولا إلى أوربا.
ويعول العراق على الطريق التجاري في إنعاش تجارته واقتصاده وتوفير آلاف فرص العمل، لاسيما بعد إعلان الحكومة مؤخرا اكتمال التصاميم الخاصة بإنشاء خط سكك بين مدينة البصرة وصولاً إلى الأراضي التركية، حيث من المقرر نقل البضائع الواصلة إلى الموانئ العراقية إلى تركيا براً، مرورا بعدد من المحافظات.
تعزيز التجارة بين العراق والعالم
وقال مستشار رئيس الوزراء هشام الركابي لـ"الصباح": إن طريق التنمية يهدف إلى تعزيز التجارة بين العراق والعالم وجعله حلقة مهمة لربط الكثير من الدول، وبالتالي يمثل انتقالة اقتصادية كبيرة تسعى الحكومة إلى تنفيذها لتحقيق مردودات إيجابية على مختلف الصعد.
وأضاف أن المؤتمر يحظى باهتمام كبير من الدول العربية والأجنبية، معربا عن أمله بتحقيق شراكة فاعلة مع الدول من أجل تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي.
وأوضح أن الطريق يمر بـ 11 محافظة وصولا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ومن مزاياه أنه يربط غرب العالم بشرقه وسينفذ بمواصفات عالمية لكي يحظى برضا الشركات الكبرى لنقل بضائعها من خلال هذا الطريق نتيجة لاختصاره الوقت من 33 إلى 15 يوماً عن طريق الرحلات البحرية، وبالتالي سيكون محطة رئيسة كبرى للتجارة بين أوروبا وآسيا.
وأكد الركابي أن المشروع سيوازي بعائداته موارد يعتمد عليها العراق، لاسيما النفطية، إضافة إلى توفيره فرص عمل كثيرة للشباب مع إسهامه بتفعيل دور القطاع الخاص، مشيرا إلى أن المؤتمر ستليه خطوات سريعة من أجل إتمام المشروع.
ولفت إلى أن كلفة الطريق تصل إلى قرابة 17 مليار دولار، منها ما يتعلق بشراء قطارات كهربائية سريعة لنقل الحمولات في غضون 16 ساعة، وكذلك إنشاء سكك حديد بطول 1200 كيلومتر، ومن المؤمل إنجازه بداية عام 2028، مبينا أن الطريق يعد ممراً عالمياً مهما لأنه يتضمن خطوطا للسكك الحديد والنقل البري ومرفأ الفاو الكبير الذي يمثل أحد أكبر موانئ الشرق الأوسط، والمدينة الصناعية للطاقة.
فوائد إيجابية
من جهته، قال عضو لجنة النقل والاتصالات زهير الفتلاوي لـ"الصباح": إن وزارة النقل ستطرح خلال المؤتمر الذي يعقد اليوم بمشاركة 10 دول هي السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر والإمارات والبحرين وإيران، الفوائد الإيجابية لهذا الطريق الستراتيجي والإعلان رسميا عنه، والمؤمل أن يبدأ العمل به عام 2028 بعد إكمال ميناء الفاو.
وأضاف أن الطريق سيكون ذا أهمية ليس للعراق وحده، بل للمنطقة والعالم من خلال تسهيل طرق التجارة واختصارها، فضلا عن إسهامه بتشغيل الأيدي العاملة والمردود الاقتصادي العالي من خلال التبادل التجاري بين جميع هذه البلدان.
وبين الفتلاوي أن إتمام المشروع سيعود بإيرادات مالية ضخمة على نحو مماثل لقناة السويس، فضلا عن تحول العراق لمنطقة نقل رئيسة بين آسيا وأوروبا، إلى جانب انتعاش السوق العراقية من خلال تنوع السلع والبضائع.
وأشار إلى أن طول الطريق المستهدف يبلغ نحو ألف كيلومتر، ويبدأ من ميناء الفاو وصولا إلى المثلث العراقي ـ التركي ـ السوري من جهة منطقة فيشخابور، ويبعد عن الطريق الدولي الرئيس بين بغداد ـ والبصرة وبغداد ـ الموصل بحدود 20 إلى 30 كيلومترا في بعض مناطقه، بينما يصل الوقت المقرر لقطع الطريق في حال إنجازه بين 12 إلى 16 ساعة لسيارات الحمل وأقل من ذلك للقطار في حال تم إنجاز سكك حديدية جديدة.
مدن صناعية وسكنية
من جهتها، قالت رئيسة لجنة النقل والاتصالات في مجلس النواب، زهرة البجاري، إن طريق التنمية مهم جداً، ومؤتمر اليوم يعد بمثابة نقطة الصفر لإطلاق المشروع.
وأوضحت أن المشروع لن يقتصر على طرق برية وسككية، وإنما ستكون هناك مدن سكنية وصناعية وترفيهية على طول الطريق وفي كل محافظة. وتابعت أن المشاركة في الطريق ستكون لدول عدة لأنه سيخدمها ويختصر الكثير من الوقت والجهد والأموال المهدورة بسبب استخدام الطرق البحرية الأخرى والطرق البرية البعيدة، فالعراق يعد نقطة ترانزيت سريعة وكبيرة تختصر المسافات.
تنوع اقتصادي
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور صفوان قصي لـ"الصباح": إن العراق يرغب بالتنوع الاقتصادي من خلال إنشاء طريق يربط بين بواباته الاقتصادية، إذ ستكون المرحلة الأولى بحسب تقديرنا ربط البوابة الجنوبية من ميناء الفاو بالاتحاد الأوروبي عبر تركيا، وستكون هناك بوابة أخرى باتجاه دول الخليج، وكذلك البوابة الغربية عن طريق المملكة الأردنية، والشرقية باتجاه إيران ومن خلفها الصين ودول شرق آسيا، وبالتالي الوصول إلى علاقة تكامل اقتصادي مع هذه الدول.
وذكر أن وجود المشروع سيسهم بإقناع دول الخليج باعتبارها قوة مالية، بتحريك جزء من استثماراتها لإنشاء مدن صناعية وتجارية وسياحية على هذا الطريق، لأن هناك موارد غير مستغلة لدى العراق ويمكن استثمارها على مستوى الصناعات الغذائية والفوسفات والكبريت والسيلكا والطاقة الكهربائية النظيفة والموارد البشرية وعملية تعزيز الاستثمار بين هذه الدول والعراق وسحب جزء من استثمارات دول الخليج التي عطلت نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية إلى دول المنطقة.
ونوه قصي بأن رؤية المملكة العربية السعودية، أن الاقتصاد العراقي لديه مجموعة من الفرص، وهو ضمن رؤيتها لخطة 2020 ـ 2030، وأن تكون قارة أفريقيا مربوطة بقارة آسيا من خلال المملكة العربية السعودية والعراق، مؤكدا أن وجود علاقات تبادل تجاري بين دول الخليج والعراق سيؤدي بالنتيجة إلى تخفيف تكاليف الحياة في العراق والمنطقة.
ولفت إلى أن العراق ينمو بمعدلات ثابتة وباستطاعته أن يعطي ضمانات سيادية للاستثمارات التي ستكون على هذا الطريق، وتحفيز العالم للقدوم إليه بشتى الوسائل، متوقعا أن يكون هناك تحالف مالي دولي لغرض تحويل الطريق من محلي إلى عالمي وتحويل جزء من التجارة العالمية باتجاه العراق واستثمار موقعه الجغرافي، ومع مرور الوقت يمكن أن يصبح منطقة التلاقي بين استثمارات الغرب وحاجات الشرق، باعتبار أن بنك التنمية الآسيوي والبنك المركزي الأوروبي يمكن أن يسهما في هذا الطريق لتحفيز المستثمرين الأوروبيين على الدخول إلى العراق مع ضمان حصة سوقية للولايات المتحدة من خلال استقطاب الشركات الأميركية.
تصاريح الترانزيت
من جانبه، أعلن مدير الجمارك العامة حسن حمود العكيلي، الشروع بمنح تصريح مرور "الترانزيت" من الموانئ إلى دول الجوار، متوقعا ارتفاعا كبيرا في طلبات الترانزيت خلال الأيام المقبلة.
وأضاف أن الشركات العاملة سواء في العراق أو في دول أخرى، بحاجة إلى وقت إضافي لمراجعة الجدوى الاقتصادية وتكييف أعمالها بهدف نقل تجارتها إلى العراق، لافتا إلى توافر الإمكانات والخبرات الجمركية لتلبية الطلبات مستقبلا.
كما عد مختصون في شؤون النقل البري والشحن البحري مشروع طريق التنمية هدفا أساسيا لتحقيق مدن ومجتمعات محلية مستدامة في البلاد ودول المنطقة.
وقال الخبير في شؤون أعالي البحار الكابتن عزيز طالب: إن هناك روابط قوية بين المستوى الاقتصادي والتقدم الحضاري لأي مجتمع مع ما يمتلكه من وسائط النقل على اختلاف أنماطها بما يلبي الحاجات التنموية.
وأعلن الرئيسان محمد شياع السوداني والتركي رجب طيب أردوغان، في آذار الماضي تكليف وزراء النقل في البلدين بالعمل على طريق التنمية (القناة الجافة) الذي سيمر عبر مناطق عراقية وتركية، وهو مؤلف من السكك الحديدية والطرق السريعة وخطوط الأنابيب، بداية من ميناء الفاو في البصرة إلى ميناء مرسين التركي.
إعادة الحياة لشريان النقل
أما الأكاديمي والمحلل السياسي، عصام الفيلي، فقد عد طريق التنمية الستراتيجي الذي تتبناه الحكومة بأنه قفزة نوعية، ويمثل إعادة الحياة للشريان النابض في مجال النقل بالنسبة للعراق.
وتابع أن الطريق يضم مسارات عدة بالنسبة لخط السكك، ويرافقه أيضاً طريق بري، وبالتالي سيسهل حركة نقل البضائع ويعزز قدرة ميناء الفاو الكبير، مؤكداً أن المشروع سيوفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل.
وذكر أن الطريق فيه أبعاد تخص استقرار العراق على الصعيد السياسي، لكونه سينفذ من قبل شركات إقليمية ودولية، وبالتالي ستعزز هذه الشراكة الاقتصادية الاستقرار السياسي في البلاد، مشيراً إلى أن الطريق سيكون نقطة تلاقي مصالح دول المنطقة مع المصلحة
العراقية.
وبين أن مشروعاً بهذا الحجم لم ينفذ في المنطقة منذ أكثر من 40 عاماً، سيكون بداية لتعزيز الثقة من قبل الشركات العالمية بأن العراق دولة آمنة مطمئنة، ويمكن الاستثمار فيها، خاصة بتوفر مثل خطوط كهذه، ما سيعزز رغبة الدول بإقامة مشاريع صناعية وزراعية داخل الأراضي العراقية بطريقة استثمارية.
أواصر جغرافية
بدوره، قال المحلل السياسي عباس العرداوي: إن العراق يسعى جاهداً لتوفير الأرضية الصحيحة لإطلاق مشروع التنمية الستراتيجي، الذي يعتمد على مد طرق التواصل البري بشبكات سكك الحديد، وينعكس على إعادة تفعيل الأواصر الجغرافية للمنطقة بشكل إيجابي، وينقلها نقلة اقتصادية كبيرة بحكم موقعه في قلب العالم والمنطقة الأساسية للتبادل الاقتصادي والتجاري.
وأشار العرداوي إلى أن هذا المشروع الكبير الذي تترقبة كل دول المنطقة والذي يعد العراق المرتكز الأساس فيه، سينعكس إيجاباً على تحديث الطرق والأدوات والآلات ومد سكك القطار الحديثة وبناء البنى التحتية التي سيحتاج إليها هذا المشروع الكبير والحيوي، ونقل خطوط الطاقة والتواصل.
وشدد على أن هناك فرصاً كبيرة ليست للعراق فقط وإنما لدول المنطقة بنجاح هذا المشروع، وأهمها توفير فرص العمل، فضلاً عن إيرادات مالية للمنطقة، مشيراً إلى أن جميع هذه الخطوات إيجابية، والأهم فيها أنها ستحتاج إلى عامل الاستقرار الأمني، مما يدعو هذه الدول إلى التعاون بأعلى مستوياته، وقد يكون هذا أهم عوامل الربح التي ستنعكس على المنطقة من خلال عامل الاستقرار والسيادة.
وينتظر من المؤتمر، أن يشهد إعلان دعم دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي، لهذا المشروع الاقتصادي والستراتيجي الذي سيشكل نقطة تحول في الحركة التجارية لعموم المنطقة والعالم.
تحرير: علي موفق