« الدولار» بين التجارة المشروعة والمضاربة الممنوعة

آراء 2023/05/28
...

 عمر الناصر 


ماذا أقول لجدتي التي وافاها الاجل ولم يحالفها الحظ لرؤية شكل الدولار، وماذا أقول لأبي، الذي لم يوَفَقْ لملامسة صورة المحروس جورج واشنطن أو لينكولن المطبوعة على هذه الورقة الملعونة، الذي يعتقد الكثير من الناس بأن رائحتها أطيب من رائحة المسك وأفخر من روائح العطور الفرنسية، حتى وان كانت متهرئة وممزقة، كونها تجعل من يمتلكها يشعر بالقوة والثقة بالنفس وقادراً على التفكير براحة واسترخاء، كأنه خارج التغطية بالمطلق والقياس مع الفارق، وربما ستصنف هذه الورقة ذات يوم من المسكرات أو أحد العقاقير والمؤثرات العقلية، كونها اصبحت من العملات التي تحدد منسوب ارتفاع أو انخفاض طبيعة الاستقرار النفسي للمجتمعات وتؤرق تفكير الكثير من 

الحكومات.

الارهاب وتخريب الاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ينبغي أن يندرجا ضمن المادة القانونية نفسها الموجودة في قانون العقوبات، ومن لا يدرك خطورة هذا الموضوع واهمية الحفاظ على مكانة العملة العراقية، فعليه أن يراجع طبيب عيون. 

الدينار سيادة واعلاء قيمته مهمة وطنية وشرعية واخلاقية، وهو بمثابة سلاح نوعي ونهر ثالث يدعم الاستقرار وإعادة الإعمار ويطوّر مشاريع التنمية المستدامة، الذي نحارب به لقطع الطريق امام المستغلين وتجار الازمات، ولا يمكن الذهاب لهذا المفهوم، إذا لم نحقق هدف رفع منسوب الوعي والمواطنة ونشر ثقافة الشعور العالي بالمسؤولية من قبل الأيادي الشعبية، تجاه اهم القضايا الوطنية المصيرية الحساسة، لكي تساهم بشكل عملي برفع قيمة الدينار، من خلال الوصول لأول الاهداف الاستراتيجية، وجعل ثقافة التعامل المالي في السوق بالعملة الوطنية فقط بدلاً من ثقافة التعامل بالدولار. 

لا بد من تضافر جميع الجهود، ومنها تبني البرلمان لمهمة الدفاع عن العملة الوطنية، من خلال ادخال مواد دستورية وتشريعات وقوانين جديدة وصارمة، تستند إليها جميع أجهزة انفاذ القانون، ولا بد من وقوف الاعلام الوطني بجميع اشكاله لتحقيق هذا الهدف النبيل والسامي الذي يدك ركائز كونكريتية في اعماق اسس اقتصاد الدولة العراقية، كمرحلة أولى للوصول إلى موضوع مكافحة الفساد، وبناء دولة المؤسسات وتحقيق تطلعات ومبادئ الحكم الرشيد، الذي له القدرة على شل حركة كل من يراهن على بقاء العراق ضمن المراتب الاولى في قائمة مؤشر مدركات الفساد.

إن عملية التمرد من قبل بعض الجهات على القوانين والانظمة، واستمرارها بتغليب الميول الشخصية فوق المصلحة الوطنية وحياة المواطن، والمساهمة بتخريب العملة العراقية والاقتصاد الوطني، تعد بمثابة اعلان حالة حرب على الشعب والدولة، ومحاولة لتقويض الجهود الرامية لتعزيز مكانة الدينار العراقي، ومنع تدهوره، كما حدث مع بعض دول في منطقة، لذلك أصبحنا اليوم جميعاً باختبار حقيقي أمام عدم تغوّل الدولار على الساحة، الذي كان له دور كبير في تنامي ظاهرة الفساد وتجارة المخدرات وتهريب النفط والجرائم الأخرى.