محمد صالح صدقيان
ثلاثة أحداث شهدتها إيران خلال الايام الاخيرة تعلقت كل منهما بجانب مهم من الحياة السياسية الإيرانية. أول هذه الاحداث الاستقالة التي تقدم بها امين مجلس الامن القومي الإيراني علي شمخاني وتعيين العميد علي اكبر احمديان محله؛ ومآلات هذه الخطوة وتاثيراتها علی مستقبل الملفات الساخنة التي تهم إيران.
ثاني هذه الاحداث؛ ازاحة الستار عن "صاروخ خيبر" البالستي، الذي يبلغ مداه الفي كيلومتر والذي جاء ردا واضحا علی تصريحات اسرائيلية توعدت إيران واصدقاءها بــ "عمل مفاجئ" وكأنهم ارادوا التلويح بدق طبول الحرب؛ فجاءت الرسالة الإيرانية واضحة شفافة لا لبس بها "ونحن لها" بهذه الصاروخ الذي يستطيع اختراق الدفاعات الاسرائيلية بما فيها القبة الحديدية المزعومة.
ثالث الاحداث؛ الزيارة التي قام بها سلطان عمان هيثم بن طارق لطهران.
هذه الزيارة ليست كغيرها من الزيارات، استنادا للدور الذي تلعبه سلطنة عمان في مجالات متعددة مع إيران.
كلنا يتذكر الزيارة التاريخية التي قام بها سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد لطهران عام 2012 والتي حمل فيها رسالة من الرئيس الامريكي باراك أوباما للمرشد الإيراني الاعلی الامام الخامنئي، والتي اسست في ما بعد للاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه عام 2015 والذي اراد كما نصت رسالة أوباما إلى انهاء القطيعة بين طهران وواشنطن وفتح صفحة جديدة من العلاقات.
لكن انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق المذكور عطل هذا المسار وجعله يسير بمسار آخر.
لم تترشح معلومات وافرة عن زيارة السلطان الحالية لطهران لكنها غير بعيدة عن الاتفاق النووي؛ خصوصا في جانبها الاقتصادي والمالي والسياسي.
وعلی الرغم من اهمية هذه الاحداث الثلاثة لارتباطها بالمواقف الإيرانية وانعكاساتها علی الاقليم وعلاقاته؛ إلا أني أعتقد أن تعيين امين عام جديد لمجلس الامن القومي الإيراني يحظی بأهمية بالغة لسبب بسيط، كون هذا المجلس يعتبر احد اهم مصادر القرار الإيراني وتعود اليه عديد الصلاحيات والمهام التي تؤثر في قرارات إيران الداخلية والخارجية؛ وفي نهاية المطاف فان هذا المجلس الذي يرأسه رئيس الجمهورية واثنان من اعضائه ينوبان عن المرشد الاعلی، فانه يتحذ القرارات التي تخص القضايا الاستراتيجية الإيرانية في الامن والسياسة والاقتصاد والاجتماع.
امين عام المجلس السابق علي شمخاني لم يبرز كثيرا في عمله كمحاور جيد أو صانع قرار، ما عدا ترتيب العلاقة مع السعودية الذي يعود له الفضل بذلك، ابتداء من بغداد وانتهاء في بكين؛ لانه كان واقعا تحت ضغط قوة الرئيس حسن روحاني، الذي كان امينا لهذا المجلس خلال 16 عاما بعهد الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي "1989 - 2005" اضافة إلى قوة الدبلوماسية المخضرمة التي امتلكها وزير الخارجية محمد جواد ظريف وهذا الامر سحب البساط من اية مبادرة ربما اراد شمخاني طرحها، خصوصا أن روحاني سحب مباحثات الاتفاق النووي من مجلس الامن القومي وجعلها بيد وزارة الخارجية ووزيرها جواد ظريف.
ما ينقل عن العميد علي اكبر احمديان الامين الجديد لمجلس الامن القومي الإيراني فانه يسير باتجاه اخر.
المصادر تتحدث عن مهمة جديدة انيطت باحمديان.
فهو طبيب اسنان قبل أن يكون شخصية تحمل أبعاد امنية.
ترك كلية طب الاسنان ليتفرغ للحرب التي شارك بها
"1980 - 1988" ومن ثم عاد ليكمل تحصيله الاكاديمي ويعود مجددا للحرس الثوري، الذي تقلد فيه مناصب مهمة كقائد لسلاح البحرية ورئيس اركان حرب في هذه المؤسسة؛ والاهم من كل ذلك شغله لمنصب رئيس المركز الاستراتيجي للتخطيط التابع للحرس الثوري لمدة 16 عاما، ويعود الفضل له بتقسيم العمل بين البحرية التابعة للحرس والاخری التابعة للجيش الإيراني بالشكل الذي اعطيت مهمة الحفاظ والاشراف علی المياه الخليجية من الشمال وحتی مضيق هرمز للحرس الثوري، في حين تعهدت بحرية الجيش الاشراف علی المياه الإيرانية والدولية خارج مضيق هرمز جنوبا وبحر عمان وشمال المحيط الهندي والمحيط الاطلسي.
هذا التقسيم في العمل تم استنادا إلى المخاطر والتهديدات التي تواجه إيران والمرونة وطبيعة العمل التي تتمتع بها كلا المؤسستين في الحرس الثوري والجيش لمواجهة المخاطر والتهديدات المحتملة.
المصادر تتحدث عن رغبة احمديان في اجراء تغييرات جوهرية في بنية مجلس الامن القومي، من خلال اعادة صياغة مؤسساته لتستطيع مواجهة الوسائل والتهديدات والمرحلة الجديدة التي يمر بها المجتمع الدولي والاقليم؛ خصوصا في مرحلة ما بعد الحرب الاوكرانية والحديث عن بوادر للنظام العالمي الجديد والقواعد الجديدة في الاقليم.
تبقی الاشارة إلى أن احمديان يواجه عدة ملفات ساخنة موجودة علی الطاولة كأرث تركه شمخاني.
فالملف النووي لم يحسم بعد.
وحتی عودة الروح اليه أو دفنه، بعد أن ظل مسجی في غرفة العناية المركزة، فإنه يحتاج إلى رعاية وادارة سديدة في ظل أمواج واحداث متلاطمة في الحياة السياسية الدولية.
ملف العلاقات الاقليمية وتحديدا مع دول مجلس التعاون الخليجي وبالاخص السعودية فإنه يحتاج إلى متابعة من أجل تعزيز هذه العلاقة التي بدأها شمخاني، لكنها تحتاج كما قلت إلى مزيد من العمل الهادف لتعزيز الامن والاستقرار في المنطقة وهو يصب في المصلحة الإيرانية، كما انه يصب في المصلحة الاقليمية.
اضافة إلى ذلك هناك مخاطر محتملة تتمثل في المواجهة مع اسرائيل وتداعياتها الكثيرة وملفات افغانستان واذربيجان دون أن ننسی مخاطر العقوبات الاقتصادية، التي تسبب الكثير من المشكلات والمتاعب للحكومة الإيرانية والمواطنين علی حد سواء.